توقيت القاهرة المحلي 13:08:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوباما والإحساس بالذنب كحاكم

  مصر اليوم -

أوباما والإحساس بالذنب كحاكم

بقلم حازم صاغية

بإعلان باراك أوباما رغبته في زيارة هيروشيما يكتمل عقد التكفير الذاتيّ والاعتذار. فهيروشيما وناغازاكي اليابانيّتان، كما يعرف القاصي والداني، ضُربتا بالسلاح الذريّ الأميركيّ في خواتم الحرب العالميّة الثانية. أمّا كوبا التي زارها لتوّه، فهي الجزيرة المجاورة للبرّ الأميركيّ والتي حاصرتها واشنطن ردّاً على مصادرة الأملاك الأميركيّة بُعيد انتصار ثورة كاسترو في 1959. وإيران التي وقّعت معها الولايات المتّحدة وبقية الدول الكبرى الاتّفاق النوويّ، هي الدولة التي رعت واشنطن، عام 1953، انقلاباً عسكريّاً فيها نفّذه الجنرال زاهدي، وأطاح رئيس حكومتها المنتخب محمّد مصدّق إثر تأميمه الصناعة النفطيّة. وتردّد أيضاً أنّ أوباما ينوي زيارة فيتنام قبل انتهاء ولايته، ما يستدعي إلى الذاكرة فوراً الحرب الأميركيّة في فيتنام التي صارت من ملاحم القرن العشرين.

وفي هذا التوجّه شيء من الحسّ الأقلّيّ الذي صدر عنه أوباما كأفرو - أميركيّ ونجل لمسلم، وقد عُكس على الخارج الذي يُعدّ مقهوراً مثله مثل الأقلّيّات، فيما توصف أميركا بأنّها مصدر القهرين.

إلاّ أنّ الملاحظة الأولى التي تتبادر إلى الذهن أنّ العالم العربيّ لا يقع في مدار الشعور الأميركيّ بالذنب، على رغم العلاقة الشديدة التعقيد بين الولايات المتّحدة والعرب التي يردّها بعضهم إلى دعم واشنطن إسرائيل، أقلّه منذ 1967. ولربّما أحال أوباما موضوع العرب والذنب حيالهم إلى الأوروبيّين باعتبارهم هم، لا أميركا، الاستعمار التقليديّ للعالم العربيّ، بما فيه الاستيطان الفرنسيّ في الجزائر. لكنّ المرجّح أنّه، مثل بقية رؤساء أميركا، اعتبر الموضوع الإسرائيليّ - الفلسطينيّ أقرب إلى أن يكون داخلاً أميركيّاً من أن يُدرج في حسابات الخارج.

على أيّة حال، إذا كان الشعور بالذنب يحكم السلوك الأوباميّ حيال البلدان التي زارها وسيزورها، والتي عقد أو سيعقد اتّفاقات معها، بقي أنّ هذا الشعور ليس أصلح الحكّام دائماً. فهو، من غير شكّ، من علامات التمدّن ومن نتائجه، على ما تُبديه بصفة خاصّة زيارة هيروشيما المحتملة، فضلاً عن كونه دليلاً على منح القيميّ والثقافيّ والمجتمعيّ مواقع أكبر في صناعة القرار السياسيّ. لكنّه، إلى ذلك، يثير تحفّظين قد يجعلانه نقيض الغرض الأصليّ المتوخّى منه.

فممّا ينطوي عليه هذا السلوك ضمناً افتراض استمراريّة قوميّة عابرة للأطوار والتحوّلات السياسيّة. وهذا ما يتجلّى خصوصاً في حالة إيران وما يخمّنه بعضهم اعتذاراً منها. ذاك أنّه ما من صلة بتاتاً بين مصدّق والنظام الحاليّ سوى إقدام الأخير على تصفية بقايا المصدّقيّين سياسيّاً وأحياناً جسديّاً. ثمّ إنّ السلف الديموقراطيّ لأوباما، أي جيمي كارتر، سبق أن أضعف شاه إيران بسياسته في «حقوق الإنسان»، ربّما كاعتذار ضمنيّ من الشعب الإيرانيّ عمّا حصل في 1953. لكنّ التجاوب الذي حُرم الإيرانيّون من إبدائه، أبداه النظام الذي احتلّ السفارة الأميركيّة في طهران واحتجز موظّفيها 444 يوماً.

ويصحّ الأمر جزئيّاً على حقبة الحرب الباردة. فإذا جاز أنّ السياسة الأميركيّة حينذاك ليست ممّا يُدافَع عنه، إلاّ أنّه لا يجوز النظر إليها في معزل عن الصراع المحتدم مع الاتّحاد السوفياتيّ. وهذا الأخير لم يكن يمارس عزف البيانو في هنغاريا 1956 وتشيكوسلوفاكيا 1968، أو في الشرق الأوسط حين سلّح وعزّز أشرس الأنظمة العسكريّة والأمنيّة كالنظامين البعثيّين في سوريّة والعراق.
ومن جهة أخرى، فإنّ أوباما إذ يعتذر عن أميركا، يفترض في نفسه تمثيلاً قوميّاً لمسؤوليّة جماعيّة أميركيّة. وهذا الزعم التمثيليّ أكثريّ بطبيعته وليس أقلّيّاً، فضلاً عن انطوائه على تنقية للذات الأميركيّة بما يجعلها متعالية ومنزّهة عن ارتكاب الشرّ أو حتّى الخطأ. وفي هذا كلّه نكهة قوميّة مفادها بأنّنا انتصرنا كثيراً، وأنّه لا بدّ من تواضع مبالغ فيه قد يتجسّد على هيئة تسفيل للنفس هو وجه آخر لإعلائها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما والإحساس بالذنب كحاكم أوباما والإحساس بالذنب كحاكم



GMT 02:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

... عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

GMT 02:47 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

... عن «الاستعمار» بوصفه «خطيئة أصليّة»

GMT 02:49 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عن «الرجل الأبيض»!

GMT 02:18 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

... عن مفهوم «الجنوب العالمي» الرائج اليوم

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أميركا ــ إسرائيل وبعض علامات الأزمنة

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon