توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران التي تُفني بلدان المشرق: الأمر لم يعد أقلّ من ذلك!

  مصر اليوم -

إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك

بقلم: حازم صاغية

بعد الحرب العالميّة الأولى أنشئت الدول في منطقة المشرق العربيّ. السلطنة العثمانيّة كانت قد انهارت في تلك الحرب وكان لا بدّ للمنتصرين فيها من ملء هذا الكمّ الكبير من البشر والأرض في أوعية الدول. المنتدبون البريطانيّون والفرنسيّون أخطأوا هنا وأصابوا هناك، وغلّبوا مصالحهم على الواقع مرّةً وانحنوا أمام آمر الواقع مرّة أخرى. الأهمّ من ذلك كلّه أنّنا كسبنا أوطاناً ودولاً: بها وحدها نستطيع أن نحضر في العالم وأن نفعل، ومن دونها يُقفَل في وجهنا باب المعاصرة.
سكاكين كثيرة استُلّت لذبح هذا التطوّر الكبير: الذين أبت عليهم كرامتهم الخضوع للأجنبيّ، والذين أبت عليهم ذاكرتهم نسيان الزمن العثمانيّ، والذين أبت عليهم حياتهم المألوفة قبول نمط آخر للحياة، والذين أبى عليهم تعصّبهم قبول المساواة بسواهم من المواطنين... هؤلاء كلّهم رفضوا تلك الدول غير آبهين بأنّهم يرفضون الإرادة التي تواضعَ عليها منتصرو الحرب العالميّة الأولى و»عصبة الأمم» التي أسّسوها. ما زاد البؤس بؤساً، فيما الدولة الشريفيّة في دمشق تذوي وتتعفّن، غياب أيّ بديل قد يطرحه كارهو الدول «المفتعلة» التي أقيمت.
مع ذلك شكّل رفض الدول تلك والدعوة إلى دمج واحدتها بالأخرى روحَ الأحزاب التي نشأت والأفكار التي سادت في المشرق العربيّ. ولم يكن لقيام إسرائيل في 1948، إلاّ أن ضاعف قوّة ذاك الرفض: ذاك أنّ الوحدة – على ما رأى الوعي الحسابيّ البسيط – أقدر من التجزئة على محق ذاك الكيان الجديد.
هذا «الحلم» بالوحدة تحقّق في 1958 حين دُمجت سوريّا ومصر في كيان واحد يشكّل كماشة حول إسرائيل، كما قيل يومذاك بكثير من الحماسة. لكنّ الفرحة الواسعة بتذويب الدولة والكيان السوريّين لم تعش طويلاً. لقد تبدّى في 1961، حين انفصلت سوريّا، أنّ الوحدة أكثر افتعالاً بكثير من الدول الموصوفة بالافتعال.
مذّاك تراجعت الحرب على الوطنيّة المشرقيّة وكان حظّ المحاولات اللاحقة أقلّ كثيراً من حظّ الوحدة المصريّة – السوريّة، كما كانت شعبيّتها أضعف بلا قياس. هكذا حلّت محلّ الأحلام أوهام تتبخّر لحظة ولادتها: في 1963 أخفق بعثا سوريّا والعراق في توحيد بلديهما. في 1965 لم يُقلع الاتّحاد المصريّ – العراقيّ. في 1971 تحوّل «الاتّحاد الثلاثيّ» المصريّ – السوريّ – الليبيّ إلى مزاح سمج. في هذه الغضون تولّت المقاومة الفلسطينيّة، في الأردن ولبنان، مهمّة إضعاف الوطنيّات، عاملةً على تدمير ما هو قائم في سبيل موعودٍ يستحيل أن يأتي هو تحرير فلسطين. فوق هذا، كانت تلك المقاومة ممرّاً للأنظمة العسكريّة والأمنيّة، خصوصاً منها السوريّ والعراقيّ والليبيّ، كي تمعن في تصديع البلدان الأصغر.
وتتالت على مدى سنوات حروب أهليّة متفاوتة الحجم، واكبَها تعاظم الاستبداد هنا والتعرّض للاحتلالات هناك. هكذا خرج من اهتراء متراكم كهذا ذاك المسخ المعروف بـ «داعش» والذي أخذ على عاتقه استئناف مهمّة الحرب على وطنيّات المشرق. وبالفعل تمكّنت «داعش» في 2014 من دمج أجزاء من سوريّا في أجزاء من العراق والعكس بالعكس. لكنّ تلك الحرب وجدت طرفاً أشدّ قوّة وأكثر تماسكاً ومواظبة من «داعش» التي ما لبثت أن انحسرت «دولتها». هذا الطرف هو إيران الخمينيّة التي بدأت، منذ ثورتها في 1979 وبشعار «تصدير الثورة»، تتمرّن على أداء الوظيفة هذه.
والحال أنّنا نرى اليوم أوطاناً بكاملها تتعرّض للمحو والاندثار في ظلّ التضامن المعلن بين الإمبراطوريّة الخمينيّة وكلّ من أنظمة الاستبداد وواقع التناحر الطائفيّ. والأمر ليس أقلّ من ذلك مطلقاً: إنّه يطال الإقامة والنزوح والاقتصاد والتعليم، مثلما يطال التعرّض للاحتلالات والوصايات واستشراء الوعي الطائفيّ، فضلاً عن حدود البلدان التي يتمّ تخليعها. إنّه، بالتالي، أمر وجود، وليس أمر نظام بعينه أو سلوك سياسيّ بذاته.
ذاك أنّ الوطنيّة تغدو اليوم، أقلّه في لبنان وسوريّا والعراق، مساوية لمقارعة النفوذ الإيرانيّ الذي يفكّك كلّ ما تحقّق على مدى قرن، كما يغدو التصدّي لنفوذ طهران هو المعنى الأوّل، إن لم يكن الأوحد، للوطنيّة.
وهذا التصوّر لم يعد في الوسع ابتزازه بإسرائيل التي يقلّ شرّها كثيراً عن الشرّ الهاجم من الشرق، ولا بأنواع التخوين الأخرى التي يطلقها من باعوا أوطانهم لإيران. أمّا الحريصون في عواصم العالم الكبرى على استقرار المنطقة فسوف يبقى حرصهم قليل المردود ما لم يدركوا هذه المعادلة: إمّا أن ينتصر النفوذ الإيرانيّ وتندحر الأوطان والوطنيّات في منطقة المشرق، أو أن تنتصر الوطنيّات المشرقيّة ويندحر النفوذ الإيرانيّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt