توقيت القاهرة المحلي 10:11:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إذ تنهار منطقة ويعزّ الحلّ...

  مصر اليوم -

إذ تنهار منطقة ويعزّ الحلّ

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

قبل ثلاثة أسابيع شرعت الجهود الديبلوماسيّة العربيّة والغربيّة تتسارع، هادفةً إلى إسكات آلة القتل الإسرائيليّة والتوصّل إلى وقف إطلاق نار يراهن البعض على تحويله وضعاً دائماً، وعلى تعزيزه بما ينتج سلاماً ما. وإذ يبدو توجّهٌ كهذا مُلحّاً، رغم استمرار تعثّره، فإنّ ما يعادله إلحاحاً التفكيرُ في أوضاع عربيّة تتراوح بين الكارثة المعلنة والكارثة التي لا يحول تأجيلها، أو كمونها، دون توقّعها.

فإلى الاستباحة الإسرائيليّة المتمادية في غزّة، يعيش غير بلد عربيّ مزيجاً من امّحاء حدوده الوطنيّة وخضوعه للتحكّم الميليشيويّ وانهياره الاقتصاديّ والتعليميّ. يترافق هذا كلّه مع استنزافين خطيرين يواكبان الموت المعمّم النازل بالسكّان، واحدٍ للبشر الذين يهاجرون أو يلجأون أو ينزحون، وبأرقام جبّارة، من بلدانهم أو في داخلها، وآخر للموارد الاقتصاديّة التي تُدمَّر على نحو متواصل ومتصاعد.

فلنتمعّن قليلاً، مثلاً لا حصراً، في هذه المعطيات والأرقام التي يوردها الزميل السودانيّ يوسف بشير عن بلده، في مقالة نشرها له موقع «درج»: «دفع العنف والاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني 7،6 مليون سوداني للفرار من منازلهم، منهم 6،1 مليون شخص نازح داخلياً، يعيشون في ظل أوضاع إنسانية بالغة السوء، بعد فقدان مصادر دخلهم وتآكل مدخراتهم، نتيجة النزوح الطويل وتراجع قيمة العملة المحلية. ومن بين هؤلاء الفارين 3،5 مليون طفل أُجبروا على مغادرة منازلهم، وفقًا لممثلة اليونيسف في السودان مانديب أوبراين. وتقول أوبراين إن أطفال السودان يعيشون كابوساً حقيقياً، إذ يحتاج 14 مليون من أصل 24 مليون طفل سوداني إلى المساعدة في مجالات الصحة والتغذية والحماية، علاوة على وجود 19 مليون طفل في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدارس، وتشير إلى أن استمرار هذا الوضع يجعل السودان يواجه خسارة تقدّر بـ26 مليار دولار. وتشمل كارثة الحرب جميع مناحي الحياة، خصوصاً تصاعد العنف ضد النساء والفتيات اللواتي يواجهن تهديدات الاختطاف والاختفاء القسري والعنف الجنسي المرتبط بالنزاع، وسط توقّعات من الأمم المتحدة بارتفاع أعداد اللواتي يتعرضن لخطر العنف القائم إلى أكثر من 6،9 مليون امرأة وفتاة».

ولا ينسى بشير الإشارة إلى الخوف الواسع «من تحوّل الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزاع دائم، في ظل عدم ممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً كافيةً لإجبار طرفي الصراع على إنهائه بالطرق السلمية».

ولئن كانت بلدان الحرب الأهليّة المفتوحة، أي سوريّا واليمن وليبيا، فضلاً عن السودان، هي التي تتصدّر هذه الوجهة الكارثيّة، فقد غدا جليّاً أنّ أطرافها الداخليّة المتنازعة غير راغبة في إنهاء هذا الواقع المؤلم الذي تصنعه وتوالي صناعته كي تستفيد منه، بينما الأطراف غير المتنازعة أو الحياديّة عاجزة عن تنفيذ ذلك. وإذا صحّ أنّ «الأزمات» تلك سبق أن أطلقت مبادرات دوليّة مجزّأة لعلاجها، فالصحيح أيضاً أنّ المعالجة باتت تستدعي جهداً كبيراً منسّقاً يتعامل مع المنطقة ككلّ، ويكون له شكل مؤتمر دوليّ موسّع أو ما يعادله. فإذا قيل أنّ الوضع الدوليّ غير مؤهّل راهناً لمهمّة كهذه، تبعاً لانقساماته (حرب أوكرانيا، الخلاف حول تايوان...) ولشروطه الاقتصاديّة غير المشجِّعة راهناً، بقي أنّ التوصّل إلى تصوّر نظريّ كهذا قد يرسم أفقاً لا يزال ضعيف الحضور، هذا إن لم يكن غائباً كلّيّاً.

والحقيقة التي تتضافر التجارب لإثباتها، والتي تجعل الإلحاح على مبادرة دوليّة كبرى أمراً يعادل البقاء والزوال، هي أنّ صيغة الدولة – الأمّة كما عرفتها المنطقة إبّان الحرب الباردة تفقد كلّ صدقيّة لها وتخسر قابليّتها للاستمرار في بلدان كثيرة. ولربّما بات مطلوباً التفكير في صِيغ سياسيّة وقانونيّة تحلّ محلّها وتكون أشدّ توافقاً مع معطيات الواقع وإرادات السكّان. وما من شكّ في أنّ عودة الولايات المتّحدة إلى «التورّط في المنطقة»، بعد مرحلة وُصفت بـ «الانسحاب» منها، عاملٌ يُبنى عليه في توجّه كهذا.

ففي عديد البلدان العربيّة ثمّة واقع لا يجوز وصفه بأقلّ من «انفصاليّ». وما يزيد احتدام حربيّته، الظاهرة أو المستترة، وجودُ قوى محتلّة وجيران عدوانيّين. وفي المشرق العربيّ تحديداً قد تكون حال سوريّا نموذجاً نُعاينه في أحوال أدلب ودرعا وشمال شرق البلاد، كما في تآكل السلطة المركزيّة وتغوّلها في وقت واحد، وهذا ناهيك عن الاستضافة المسمومة للضبّاط الإيرانيّين والردود الإسرائيليّة عليهم. لكنّ العراق، حيث توقف إحدى الميليشيات أعمالها الحربيّة لـ»عدم إحراج حكومتها»، لا يختلف كثيراً، وإن أخفى انفصاليّتَه وراء غلالة دولة رقيقة. وأمّا لبنان فتجد فئاتٌ متعاظمة من أبنائه أنّها موصومة بـ»الخيانة» تبعاً لرفضها أوامر الميليشيا ونواهيها وصورتها عن السياسة والوطنيّة والحياة، وربّما عمّا بعد الحياة.

وأمام هذه اللوحة الإجماليّة من التفتّت والتعفّن والانهيار، علينا أن ننقّب كثيراً في نفوسنا، وأن نسأل: لماذا؟، عازفين عن إجابات سريعة وهيّنة كثيراً ما مارست علينا إغراءها الساحر.
كُتّاب الشرق الأوسط

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذ تنهار منطقة ويعزّ الحلّ إذ تنهار منطقة ويعزّ الحلّ



GMT 20:04 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon