توقيت القاهرة المحلي 21:18:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القطاع العام.. هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله؟

  مصر اليوم -

القطاع العام هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله

بقلم : زياد بهاء الدين

خلال الأسابيع القليلة الماضية، طالعتنا وسائل الاعلام بالعديد من الأخبار والتصريحات المتعلقة بالشركات والأصول المملوكة للدولة أو التى يساهم فيها المال العام. وسوف استخدم هنا تعبير «القطاع العام» للإشارة إلى كل هذه الشركات مع اختلاف أنواعها والنظم القانونية الخاضعة لها. 
من بين هذه الأخبار، القرار الذى اتخذته الجمعية العامة للشركة القابضة للتعمير والاسكان بتصفية الشركة القومية للاسمنت، والقرار الحكومى بطرح نسب متفاوتة من أسهم بعض شركات القطاع العام للتداول فى البورصة، وتصريح السيد وزير قطاع الاعمال العام بأن الدولة لن تتحمل استمرار نزيف خسائر الشركات، وبدأ تأسيس صندوق مصر السيادى وتعيين ادارته، ثم أخبار كثيرة عن المشروعات والشركات الجديدة التى تقوم الدولة بإنشائها فى مختلف المجالات بواسطة أجهزتها المدنية والعسكرية.

فما الذى يجرى بالضبط للقطاع العام؟ هل هو تطوير، أم خصخصة، أم تصفية للوحدات الخاسرة؟ أم على العكس من ذلك توسع فى النشاط الاقتصادى للدولة من خلال شركات ومشروعات جديدة؟ 
شخصيا لست ضد بيع شركات وأصول القطاع العام بشكل مطلق طالما كان وراء ذلك مبرر واضح ومقنع وسياسة متسقة مع نفسها، بقدر ما أننى لست أيضا مع بيع وتصفية القطاع العام فى كل الأحوال لمجرد الانحياز الايديولوجى. الطبيعى أن يكون للدولة سياسة محددة تستند اليها فى تحديد ما يتم بيعه أو تصفيته وما يجرى العمل على تطويره والاحتفاظ بملكيته وفقا لرؤية واضحة المعالم عن الدور الاقتصادى للدولة. ولكن ما يبعث على الحيرة والقلق معا هو التناقض بين السياسات. 
فإن كان المستهدف من اعادة احياء برنامج الخصخصة أو توسيع قاعدة ملكية الشركات العامة هو تقليص دور الدولة فى المجالات الاقتصادية المختلفة واتاحة الفرصة لنمو القطاع الخاص، فان هذا لا يتسق مع التوسع المستمر فى نشاط الدولة فى مجالات ومشروعات جديدة، كثير منها ينافس القطاع الخاص بشكل مباشر ويعطل نموه دون أن يكون ذا أهمية استراتيجية خاصة. 

وان كانت الدولة تسعى لتصفية الشركات الخاسرة من أجل وقف النزيف الذى يرهق الموازنة العامة ويستهلك الموارد المطلوبة للتنمية، كما قيل بالنسبة للشركة القومية للاسمنت مثلا، فما مبرر تنفيذ هذه السياسة على شركات قطاع الاعمال العام وحدها دون باقى الشركات والمؤسسات العامة التى تحقق خسائر باهظة ولا يجرى التفكير فى تصفيتها أو حتى اعادة هيكلتها بجدية. ويحضرنى فى هذا الصدد مثال مؤسف للغاية لبعض المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة التى تستمر فى إصدار مطبوعات وبث برامج لا يقرأها أو يتابعها أحد وتستنزف موارد عامة هائلة بلا أى عائد، وهذا مجرد مثال لقطاع اقتصادى واحد.

أما إذا كان المقصود هو العمل على بناء قطاع عام جديد مع ترك القطاع العام القديم لكى يتلاشى ويختفى تدريجيا، وهو ما أتصور أنه الوصف الأدق لما يجرى العمل عليه، فإن هذه سياسة معيبة لسببين: الاول أنه فى غياب نظم الرقابة والحوكمة والإدارة السليمة لمشروعات وشركات القطاع العام الجديد فلن يوجد ما يحميه مع مرور الوقت من الإصابة بنفس أعراض الركود والبيروقراطية التى عرقلت القطاع العام القديم وجعلته يتحول إلى عبء على الاقتصاد القومى بدلا من أن يكون سندا له. وأما السبب الثانى فهو أن توجيه كل الطاقات والموارد والاهتمام نحو بناء قطاع عام جديد لابد أن يؤدى إلى الإسراع بوتيرة انهيار القطاع العام القديم وتدهور إنتاجيته وزيادة اعبائه بما يجعل تصفيته حتمية ويلغى واقعيا احتمال اعادة هيكلته وتطويره ورفع كفاءته كى يحقق عائدا أفضل. 

ويزيد من تعقيد هذا المشهد أن ما أطلقت عليه وصف القطاع العام فى مطلع المقال، تعبيرا عن كل الشركات التى تملكها الدولة أو تساهم فيها، يشمل فى الحقيقة تنوعا كبيرا بين شركات قطاع الاعمال العام، وشركات القطاع العام التقليدية، وأخرى تملكها الدولة وهيئاتها فى ظل قانون شركات القطاع الخاص، وغيرها تملكها البنوك العامة، وهذا غير المشروعات التى تملكها أو تساهم فيها هيئات القوات المسلحة. والولاية على كل هذه الشركات مقسمة بين وزارة قطاع الاعمال العام، والوزارات المختلفة القطاعية كل فيما يتبعه، ووزارة المالية التى تعتبر مالكة لها جميعا، والبنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزى. 
هذا المشهد القانونى المعقد يضاعف من أهمية أن يكون للدولة سياسة واحدة متسقة مع نفسها لتحديد دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وبالتالى مستقبل القطاع العام، خاصة أنه فى نهاية الأمر يمثل أصولا مملوكة للدولة، ومن حق الشعب ــ المالك النهائى لها ــ أن يعلم بما يجرى التدبير له ويشارك فى اتخاذ القرار.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطاع العام هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله القطاع العام هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 19:13 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما
  مصر اليوم - دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
  مصر اليوم - فولكس واغن أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 19:04 2022 الخميس ,03 آذار/ مارس

تأهيل الحكومة الرقمية من أجل التنمية

GMT 11:04 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

"فورد" تستدعى 5234 سيارة فى الصين لمخاطر تتعلق بالسلامة

GMT 03:05 2024 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

5 ملايين زائر لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

GMT 05:32 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دول غرب أفريقيا تتخذ إجراءات جديدة لإنقاذ الغابات

GMT 18:11 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

عودة ميسي ووصول لاعبو البارسا لمواجهة رايو فاليكانو الليلة

GMT 04:18 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

"بي بي" تؤكد بدء إنتاج 50 مليون قدم من الغاز في مصر

GMT 16:41 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

كشف ملابسات مقتل سيدة بمنزلها ذبحًا في دمياط

GMT 08:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أطعمة مهمة تساعدك في علاج الأرق المزعج

GMT 09:17 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التناقض عنوان المجموعة الشتوية الجديدة لزياد نكد

GMT 11:42 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر guess seducriv I am yours لإطلالة غامضة ومغرية

GMT 23:10 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

مطار سوهاج يُجري تجربة طواريء لطائرة منكوبة

GMT 08:59 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

عائشة بن أحمد تُشعل مواقع التواصل بإطلالة رائعة

GMT 14:00 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أمسيات دينية في مساجد الإسكندرية عن أهمية الثقافة في التربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon