بقلم: زياد بهاء الدين
انتهى حفل افتتاح المتحف بخير والحمد لله. وبغض النظر عن الخلاف الدائر حول جودته - ولى ملاحظات عليه مثل كل الناس - فإنه جلب مشاهدة عالمية واسعة وحضورا دوليا مشرفا، وهو ما كان مطلوبا.
اقترح إذن أن نكتفى بهذا القدر من الانشغال بالحفل وتفاصيله، ونعود للمتحف ذاته الذى لا شك أنه عمل جبار ورائع، وقيمة حضارية وسياحية هائلة، ولهذا يلزم التفكير جيدا فى طبيعته والغرض منه.
المتاحف ليست ظاهرة جديدة وقد مرت بمراحل تاريخيّة متعددة. الرومان قديمًا اعتادوا على عرض التحف والمجموعات الفنية باعتبارها من غنائم الغزوات ورمزا لقوة الإمبراطورية. وفى أوروبا العصور الوسطى ثم عصر النهضة بدأ عرض مجموعات المقتنيات الخاصة فى القصور تعبيرا عن الثراء والرقى الثقافى. ثم جاءت الطفرة الكبيرة مع الثورة الفرنسية ومع فتح القصور للشعب وإتاحة محتوياتها للمشاهدة العامة، وعلى رأسها متحف «اللوفر» فى ١٧٩٣. بعد ذلك جاء عصر الاستعمار الأوروبى ومعه نهب آثار البلاد المحتلة فصارت المتاحف معرضًا لهذه الثروات المسروقة ومسرحًا للتنافس بين القوى العظمى.
ثم فى أعقاب الحرب العالمية الثانية تطورت المتاحف من معارض للاستعمار إلى مساحات لعرض تراث البلدان المتحررة ولتأكيد استقلالها وهويتها الوطنية. ثم جاء عصر الانتعاش السياحى (وما زلنا فيه) حيث زاد عدد السائحين عالميًا من ٢٥ مليون سنة ١٩٥٠ إلى مليار ونصف سنة ٢٠١٩ (قبل الكورونا)، أى ستين ضعفا فى سبعين عامًا، وبالتالى أصبحت المتاحف من أهم ركائز الجذب السياحى لبلدان كثيرة وعاملا فى زيادة الدخل القومى. أما المرحلة الأخيرة التى لا نزال فيها أيضا فهى النظر للمتاحف باعتبارها مراكز بحث وعلم وتوعية وتدريب وتواصل مع ثقافات أخرى.
فأين موقع متحفنا الجديد من هذا؟
السياحة طبعا مهمة لنا ويلزم زيادتها وتحسينها والارتفاع بمستواها. والمتحف الجديد يمكن أن يحقق طفرة فى ذلك، خاصة لو نجحنا فى ضبط العوامل العديدة الأخرى التى تؤثر فى السياحة.
ولكن للمتحف أيضا دور ثقافى وتعليمى وبحثى كان جزءًا من التفكير فيه من البداية. وقد اهتمت به دولة اليابان عبر تضمين التمويل الذى قدمته بنود خاصة بالبحث وبحفظ الآثار، كما أن مدير المتحف الدكتور أحمد غنيم عنده وعى كبير بالموضوع، وكذلك من تحدثت معهم من مجلس الأمناء والمسؤولين. الفكرة إذن حاضرة، ولكن المهم ألا تتوارى تدريجيًا وراء الاهتمام بالعائد السياحى والتجارى.