توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد؟

  مصر اليوم -

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد

بقلم-زياد بهاء الدين

من وقت لآخر يطرأ على المشهد العام موضوع يبدو فى أصله بسيطا وعابرا ولكن يتحول، بسبب رد فعل الناس له وانتشاره على صفحات التواصل الاجتماعى، إلى قضية رأى عام ساخنة تفتح جدلا واسعا وتحرك المياه الراكدة وتدفع المجتمع لإعادة النظر فى الأفكار السائدة والقيم المستقرة.

من هذا النوع كان الحوار التليفزيونى الذى أجرته الأسبوع الماضى مذيعة على قناة تليفزيونية محلية لم يتبين لى اسمها مع مجموعة من الفتيان المهربين للملابس والبضائع من مدينة بورسعيد. ولكن بدلا من أن تحقق المذيعة هدفها باستدعاء مشاعر الإدانة والازدراء تجاه هؤلاء المجرمين الصغار وإقناعنا بأنهم متقاعسون عن البحث عن أعمال شريفة متوافرة من حولهم، إذا بها تنجح، بسبب حالة الجهل والصلف والتعالى التى أجرت بها الحوار، فى إثارة التعاطف معهم والغضب على مثل هذا التناول الإعلامى الهزيل بل والانتقاد للسياسات الحكومية العاجزة عن التعامل مع مشاكل المجتمع.

عاصفة التعليق والجدل التى أثارها الحوار التليفزيونى تناولت الموضوع من مختلف جوانبه الإنسانية والاجتماعية والسياسية ولذلك فاسمحوا لى بتجاوز التفاصيل والتأمل قليلا فيما كشفت عنه هذه الواقعة من حاجة ماسة فى مجتمعنا لمناقشة قضية العدالة فى حد ذاتها، مفهومها وأهميتها وأدواتها، وضرورة التفرقة بينها وبين مفهوم النظام القانونى.

النظام القانونى هو ما يشرعه البرلمان من نصوص ملزمة وما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات ادارية وما تقرره المحاكم من أحكام واجبة النفاذ. أما العدالة فمفهوم اخلاقى وقيمى يستهدف تحقيق التوازن السليم فى المجتمع بين الحقوق والالتزامات لكل الأطراف حيال بعضها البعض: الدولة والمواطن، الزوج والزوجة، البائع والمشترى، الجانى والمجنى عليه، الشعب والأجيال القادمة، الملكية الخاصة والعامة، الانتاج والحفاظ على البيئة، وغير ذلك من المصالح المتقابلة. وكلما كانت هذه التوازنات منطقية ومتزنة وناتجة عن تفاعل مؤسسى سليم وديمقراطى وتشاركى، كلما كان المجتمع متمتعا بالسلم الاجتماعى والاستقرار الحقيقى.

ولأن القانون والعدالة مفهومان مختلفان، الاول واقعى والثانى قيمى، فليس غريبا أن يكون هناك قانون ظالم أو حكم قضائى غير عادل. والفجوة بينهما هى ما يجعل الجدل القانونى والدستورى مطلوبا فى كل مجتمع ومصدرا للتقدم والترقى لأنه الوسيلة الوحيدة للتحقق من أن القانون ليس بعيدا عن العدالة، بل قريبا منها وساعيا لها ولو لم يبلغها. والقول الشائع بأن الحكم عنوان الحقيقة لا يعنى أن الحكم القضائى بالضرورة عادل وإنما أنه لأسباب عملية وواقعية يجب أن يتمتع بمرجعية مطلقة فى تحديد الحقوق والواجبات والاوضاع القانونية دون أن يعنى ذلك أنه يعبر عن العدالة. ولهذا فإن الحكم القضائى يكون جديرا بالإلغاء أو المراجعة من محكمة الدرجة الاعلى ليس حينما يكون غير عادل بل عندما يخالف تطبيق أو تفسير القانون. وبسبب هذا التناقض المستمر فإن القاضى ذا الضمير اليقظ، حينما يجد نفسه أمام حالة صارخة يتعارض فيها القانون مع العدالة، يبحث عن مخرج إجرائى أو تفسير مبتكر أو نص قانونى مهمل أو حكم سابق يرجح به العدالة على التطبيق التقليدى للقانون ولكن دون أن يسمح لنفسه بمخالفته بشكل صريح.

هذه القضايا الشائكة كلها ظهرت على السطح بمناسبة الحوار التلفزيونى مع مهربى بورسعيد. الذين طالبوا بتطبيق القانون عليهم استندوا إلى انهم لم ينكروا الجرائم التى ارتكبوها، ولم يدعوا جهلا بالقانون، والتصرف الذى قاموا به جريمة واضحة المعالم، واحترام القانون يعنى إحالتهم للنيابة ثم القضاء ليقرر عقوبتهم. اما من انحازوا لهم وطالبوا بالعفو عنهم فقد اعتبروا أن العدالة تقتضى أخذ صعوبة الوضع الاقتصادى الراهن فى الاعتبار، وندرة فرص العمل البديلة، وغرابة ان تتصالح الدولة وتعفو عن عتاة المجرمين والمتهربين من أداء رسوم جمركية وضرائب تبلغ آلاف الأضعاف مما حققه فتيان بورسعيد ثم تنزل عليهم بكامل مطرقة القانون. والمقابلة هنا تعبير واضح عن الصراع بين مفهوم القانون ومفهوم العدالة.

لا أعلم كيف تنتهى قضية مهربى بورسعيد الشبان ولكن أتمنى أن تكون هذه مناسبة للتأمل والتفكير وفتح حوار ضرورى حول مستقبل الفانون والعدالة فى مصر.

نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر

GMT 06:58 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

علاج محتمل للسكري لا يعتمد على "الإنسولين" تعرف عليه

GMT 14:10 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أسوان يخطط لعقد 9 صفقات قبل غلق باب القيد لتدعيم صفوفه

GMT 21:53 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

جهاز المنتخب الوطني يحضر مباراة الأهلي والإنتاج الحربي

GMT 17:44 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تونس تتصدر أجانب الدوري المصري بـ16 لاعبًا في الأندية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon