توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرآة العقوبات والغضب الروسي

  مصر اليوم -

مرآة العقوبات والغضب الروسي

بقلم : مصطفى فحص

يردد أهالي القوقاز، جنوب روسيا الاتحادية، مثلاً شعبياً ينطبق على المرء الذي يغضب نتيجة عجزه، فيقولون: «لا تلعن المرآة لأنها تريك وجهك الحقيقي»، وهو ما ينطبق الآن على غضب الروس، العاجزين على ما يبدو عن الرد بالمثل على العقوبات الأخيرة التي فرضها الكونغرس الأميركي بأغلبية ساحقة، فقد تحولت العقوبات إلى مرآة جعلت موسكو تتلمس من جديد ضعفها، بعدما حاولت في السنوات الأخيرة التصرف بمظهر القوي، وقامت بالالتفاف على أزمتها الداخلية وتصديرها إلى الخارج من خلال توترات إقليمية ودولية أمنت لها دوراً على الصعيد الدولي، لم يكن ليستمر لولا سياسات الانكفاء التي تبناها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فقد أدت العقوبات الأميركية الأخيرة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية إلى توتر روسي واضح في التعامل مع تداعياتها، وقطعت الشك باليقين بأن فرص التوافق مع واشنطن بدأت فعلياً بالتلاشي، خصوصاً بعد إعلان البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيوقع على مشروع العقوبات التي أقرها الكونغرس.

فبالنسبة للروس، كشفت العقوبات عن موقف المؤسسة الأميركية الفعلي الرافض لتحسين العلاقات معهم، وقطعت الطريق على رهانات الكرملين في قدرة البيت الأبيض على إمكانية التوصل إلى تفاهمات استراتيجية مع موسكو، فقد تلقت محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استثمار علاقته الخاصة مع الرئيس الأميركي ضربة موجعة قضت على الأهداف التي سعى لتحقيقها من خلال هذه العلاقة، والتي راهن من خلالها على إمكانية اعتراف واشنطن بدور لبلاده في القضايا الدولية، ما يتيح أمامها العودة إلى توازن القطبين، أو إلى عالم متعدد الأقطاب. ولكن العقوبات التي وصفها بوتين بالوقحة كانت الرسالة الأميركية الأكثر صرامة لموسكو لكي تغير سلوكها، إذ تعاملت معها كما تم التعامل مع دول مارقة، مثل إيران وكوريا الشمالية، الأمر الذي لم تستسغه القيادة الروسية، ولا النخب السياسية والفكرية والإعلامية، التي عكفت منذ فترة على تعزيز التطلعات القومية الشوفانية داخل مجتمع الروس، ونجحت في إعادة الترويج لفكرة الغرب المعادي للأمة الروسية، حيث يمكن وضع تصريح وزارة الخارجية الروسية في هذا السياق، بعد أن اعتبرت «أن الأحداث الأخيرة تشهد على أن العداء لروسيا، والسعي إلى المواجهة، متجذران بشكل راسخ في بعض الأوساط المعروفة في الولايات المتحدة».

بدوره، لم يستطع قيصر الكرملين فلاديمير بوتين ضبط ردة فعله، وعلى الرغم من حرصه الدائم على الحفاظ على صورة القائد القادر على استيعاب الصدمات، فإنه في أول تعليق له على العقوبات، بدا منفعلاً، وقال: «نتصرف بشكل متحفظ جداً، وفي منتهى الصبر، لكن في مرحلة ما يجب أن نرد، لأنه من المستحيل التسامح إلى أجل غير مسمى مع الوقاحة التي يتعرض لها بلدنا». ولم يتأخر بوتين بالطلب من وزارة خارجيته إنهاء خدمات 755 دبلوماسياً أميركياً وموظفاً محلياً يعملون ضمن البعثة الدبلوماسية الأميركية، ما يعني خفض حجم التمثيل الأميركي في روسيا إلى 455 فرداً.

ولم يعد مستبعداً أن تشعل العقوبات الأميركية فتيل مواجهة أميركية - روسية غير مباشرة في عدة أماكن من العالم، فالرد الروسي الاستراتيجي على واشنطن سوف يتبلور سريعاً، وفي عدة اتجاهات، حيث من الممكن أن تلجأ موسكو إلى التصعيد في أوكرانيا، للضغط على الأوروبيين العالقين بين معضلتين؛ الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في القارة الأوروبية من جهة، ومن جهة ثانية حماية إمدادات الطاقة من روسيا. في المقابل، ستحاول طهران استثمار الغضب الروسي، من خلال تعزيز الشراكة معها في نزاعات الشرق الأوسط، وقد بدت ملامح هذا التوافق بعدما قامت موسكو باستقبال رجل إيران الأول في العراق، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتعاملت معه من موقع الحليف المؤثر في القرار السياسي العراقي، الذي دعاها إلى تعزيز وجودها السياسي والاقتصادي والعسكري في العراق. أما في سوريا، حيث تبرز التناقضات الروسية، فعلى الرغم من تدهور العلاقات مع واشنطن، فإن بوتين أكد أمس على تمسكه باتفاق الجنوب السوري لحماية أمن إسرائيل، لكن من المرجح أن تعيد موسكو النظر ببعض تفاهماتها مع واشنطن، وتسمح لطهران ونظام الأسد بالتصعيد العسكري للقضاء على ما تبقى من فرص لحل سلمي.

ترتفع في موسكو الأصوات المطالبة بالرد الحازم على واشنطن، وهي أقرب في لغتها إلى مفردات الحرب الباردة. ومع انتظار القادم من بلاد القياصرة، يبدو أن المنطقة مقبلة على مواجهات طويلة، تفرض على النظام العربي إعادة صياغة استراتيجياته في سوريا والعراق ولبنان، والتقليل من الرهان على موسكو، المستنزفة التي باتت شريكاً موضوعياً لطهران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرآة العقوبات والغضب الروسي مرآة العقوبات والغضب الروسي



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt