توقيت القاهرة المحلي 12:49:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران وسور النظام العظيم

  مصر اليوم -

إيران وسور النظام العظيم

بقلم: مصطفى فحص

قدمت طهران أوراق اعتمادها لبكين؛ خطوة أشبه بطلب لجوء استراتيجي، تراهن أن يمنح نظامها 25 عاماً إضافية، بعدما أحاطته بسور صيني جديد، تعتقد أنه سيعطيه فرصة الاستمرار بلا أي ضرورة للقيام بتحولات داخلية أو تقديم تنازلات خارجية، بحسبان أن أهم اعتبارات الاتفاقية مع الصين يستدعي حفاظ النظام على طبيعة هيكليته وهرمية قراره حتى تتسنى له حماية خطوته في الأمد البعيد.
لم يأتِ قرار اللجوء إلى الصين إلا بعد قناعة إيرانية بأمرين؛ الأول سقوط الرهان على واشنطن وصدمة طهران بإدارة الرئيس جو بايدن. وأما الثاني فضرورة إنقاذ النظام وإخراجه من محنته، فالاتفاقية في معناها الجيوسياسي أدخلت طهران داخل سور الصين، وأما داخلياً فهي بنت سوراً يحمي النظام من رياح تغيير قد تعصف داخلها.
يرى النظام أن أوجه الشبه بينه وبين نظام بكين كثيرة، فهي دولة الحزب الواحد العقائدية وترفع شعارات اشتراكية ولكنها تمثل ذروة الاقتصاد الرأسمالي «المتوحش» المتفلت من الضوابط القانونية والإنسانية. تستهوي الصين أو تستسهل استثمار أو استعمار الدول المأزومة اقتصادياً، خصوصاً تلك التي تجمعها مع أنظمتها قواسم مشتركة في شكل الحكم.
فقرار طهران فتحُ أسواقها أمام بضائع الصين الرخيصة، يتناسب مع ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن الإيراني، لكنه في المقابل سيؤدي إلى تعطيل المصانع المحلية، والأخطر أن الاتفاقية بمضمونها الكولونيالي ستحول إيران إلى واحدة من كبرى المستعمرات الصينية؛ الأمر الذي سيعيد إلى أذهان الإيرانيين مرحلة تاريخية صعبة وضعت فيها روسيا وبريطانيا أيديهما على الجغرافيا والثروة في إيران واستغلتهما لصالحهما.
أزمة النظام المستقبلية أن هذه الاتفاقية لن تمر من دون تداعيات داخلية.
ومهما حاول النظام إنكار الواقع الاجتماعي في إيران، فإن الإيرانيين ليسوا كالكوريين الشماليين أو الصينيين، وإن رفض الشعب المحتمل للاتفاقية التي من الممكن أن تؤجج الشارع، سيكون لأسباب عديدة؛ من أهمها أنها جاءت من أجل مصلحة النظام وليس الشعب، وأنها أداة سيستخدمها لترسيخ حكمه لمدة أطول، لذلك فمن المتوقع أن يزداد القمع وخنق الحريات في المرحلة المقبلة من أجل إسكات الأصوات الشعبية والنخبوية المعترضة على الاتفاقية، فالمفارقة أنه في الوقت الذي يطالب فيه الشعب الإيراني بسياسة انفتاح على العالم الخارجي، قام النظام ببناء سور يعزل إيران عن الخارج.
هذه الاتفاقية وما توفره من سيولة لطهران على الأرجح أنها سترفع مستوى التناحر بين مراكز صنع القرار، وستتسبب في صراعات بين مراكز القوى التي تريد أن تنسبها لها وتضعها في سجل انتصاراتها، كما أنها ستكون جزءاً أساسياً من الدعاية الانتخابية للمرشحين الرئاسيين كافة، فمنذ التوقيع وحتى الآن بدأت وجوه أساسية طامحة من داخل النظام تروّج لدورها الأساسي في إتمامها؛ في مقدمتهم علي لاريجاني وعلي ولايتي وحتى وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
مما لا شك فيه أن الاتفاق الصيني - الإيراني ترجمة عملية لتطلعات المرشد الجيو - استراتيجية، ونظرية التوجه شرقاً، إنقاذاً للنظام من أطماع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، وعدم الارتهان لإملاءاته السياسية والاقتصادية، لكنه سيضع إيران على خط زلازل إقليمية يبدأ في موسكو، مروراً بآسيا الوسطى وتركيا، وصولاً إلى دول الخليج العربي، فهذه الدول لن تقبل بأن تتحول إيران إلى قاعدة صينية متقدمة على مفترق «طرق الحرير» الاقتصادية، أو أن تستغل طهران الصين من أجل الاستمرار في زعزعة استقرار جوارها.
من المؤكد أن الاتفاقية التي أدخلت طهران في مشروع «الحزام والطريق» الذي يمثل ذروة التوسع الاقتصادي الصيني في العالم، ضربة قاسية لمشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعروف بالمجال الحيوي الأورو - آسيوي الذي كانت موسكو تراهن عليه من أجل إعادة مدّ نفوذها السياسي والاقتصادي من وسط أوروبا حتى تخوم الخليج العربي، كما أن هذا الاتفاق سيثير حفيظة أنقرة التي تعمل على ترسيخ وجودها في جمهوريات آسيا الوسطى أو ما يعرف بـ«العالم التركي» الذي يشكل همزة الوصل السياسي والاقتصادي والثقافي بينها وبين موسكو وبكين، والذي ستحاول طهران إعادة التسلل إليه عبر البوابة الصينية.
وعليه؛ وضعت طهران نفسها في صلب الصراع الصيني - الأميركي المقبل، ومن الممكن أن تتحول إلى ساحة اشتباك بينهما، لا يمكن التكهن مبكراً بنتائجه، ولكن يمكن تصور شكله وخطورته على إيران وشعبها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وسور النظام العظيم إيران وسور النظام العظيم



GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 02:11 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاستثمار البيئي في الفقراء

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 18:29 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

طلعت زكريا يفاجئ جمهوره بخبر انفصاله عن زوجته

GMT 12:07 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

كيفية تحضير كب كيك جوز الهند بالكريمة

GMT 09:10 2018 الأربعاء ,15 آب / أغسطس

"الهضبة" يشارك العالمي مارشميلو في عمل مجنون

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

النسخة العربية للعبة كابتن تسوباسا

GMT 14:08 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

أوستراليا تسجل أدنى درجة حرارة خلال 10 سنوات

GMT 01:41 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

تريزيجيه يدعم محمد صلاح بعد الإصابة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon