توقيت القاهرة المحلي 15:45:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكاظمي والحوار بين متقاتلين

  مصر اليوم -

الكاظمي والحوار بين متقاتلين

بقلم: مصطفى فحص

شاءت الصدف أن ألتقي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في أصعب 48 ساعة مرت على العراق، كانت بلاد الرافدين منقسمة بين فسطاطين، لكل واحد منهما سرديته التي يُظهر من خلالها أنَّه على حق وأن الآخر على باطل، وكانت بغداد على كفّ عفاريت، لو أفلتت لقلبت العراق رأساً على عقب. كان المتحاربون يستعدون لقتالهم المقدس، قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، وغاب عن بالهم أنهم جميعاً ضحايا عُنف مسيّس، وتحريض ممنهج، وفساد مبرمج لكن بعضهم استسهل المواجهة، واسترخص الدم، كأنَّهم لم يتعلموا ممن سبقهم في هذه الأنواع من الحروب داخل المُكوّن الواحد والبيئة الواحدة والبيت الواحد والعائلة الواحدة، أنَّه ليس بالضرورة من بدأها سيقدر على إنهائها، وأنَّه حتى المنتصر فيها هو ليس إلا أقوى الخاسرين، ولا يمكن حصرها بمكان محدد أو فئة أو طائفة أو إثنية معينة، فمن مخاطرها أنَّها تنقل عدواها لجميع البيوتات القريبة والبعيدة.
في ذلك المساء كان الكاظمي هادئاً متماسكاً، يُقلب صفحات الممكن، ويسجل في دفتر ملاحظاته جملة بدأ منها حديثه «حجب الدم»، لم يكن مستعداً لتقبل إراقة قطرة دم واحدة، قالها من دون تردد «العنف ليس مهنتي، فإذا خُيّرت بين الدم أو الرحيل سأرحل». في تلك اللحظة استعاد الكاظمي تكوينه المدني، مستدركاً المساحة الفاصلة بينه وبين القوى والأحزاب العراقية؛ خصوصاً الشيعية التي تخاصمه بسبب مدنيّته، وكأنه يتحمَّل مسؤولية خسارتها لموقعها الأول، أي خروج منصب رئيس الوزراء من يد قادة البيت السياسي الشيعي نتيجة لمؤامرة وضعها الكاظمي وفريقه، ويخططون منذ أن أُجبروا على تكليفه إلى اعتقاله متلبساً بتهمة المعايير، لكنَّهم اكتشفوا بعد فوات الأوان أنَّ عقارب الساعة لن تعود إلى ما قبل انتفاضة الأول من تشرين الأول 2019، وأنَّ 9 نيسان 2020 أي يوم تكليفه، فرض معايير لم تعد متوفرة عند أغلب وجوههم. لذلك أُصيب بعض سكان هذا البيت بمتلازمة الإنكار المتعمد، فهم يكابرون ولا يريدون الاعتراف بأنَّه جاء إلى منصبه الحالي نتيجة فشلهم الذريع في إدارة الدولة والثروة، وقد يكون الكاظمي قد اكتشف أزمتهم مبكراً فأعدَّ نفسه لوراثتهم، وهذا من حقه ومن حق أي عراقي يرى نفسه بديلاً مستحقاً، وأنَّ نُخب العراق لا تنحصر فقط بأحزابه وتياراته السياسية، والكاظمي ليس استثناء، بل هو محطة من محطات بنتها انتفاضة تشرين على طريق التغيير منذ بداية معركة إسقاط المنظومة إلى مشروع الإزاحة الجيلية؛ حيث بات الثابت متحولاً والمتحول متعدداً دينياً ثقافياً وسياسياً.
في ذلك اللقاء، كان الرجل كالجالس بين فكي كماشة، طرف دخل إلى المنطقة الخضراء، وطرف آخر يستعد للتظاهر خلف أسوارها ويلمح إلى إمكانية تسلقها، بين هذا وذاك، وقف الكاظمي المُستهدف من الطرفين كالقابض على جمر الاستقرار، وهو يعلم جيداً أن ليس في الدولة ما يكفي من أدوات لفرضه، لذلك أطلق كلمته «الحوار» التي فتحت نافذة لاحتواء التصعيد.
فعلياً، بدا الكاظمي أكثر تصالحاً مع نفسه وتقديراً لقوتها، فلجأ إلى السهل الممتنع إلى الحوار، دعا الجميع في لحظة احتقان إلى تحكيم عقولهم وليس عضلاتهم، إلى حكمة الخوف، لعلها تُهَدِّئُ الرؤوس الحامية، دعوة تحتاج إلى قناعة مَن أيدوها بأنهم على استعداد لتقديم تنازلات شجاعة والقبول بتسويات كبرى، تأخذ بعين الاعتبار فضاء وطنياً عاماً تشكل بعد انتفاضة تشرين لا يمكن إنكاره أو مصادرته، وأي إهمال أو تخطٍّ له، سيدفعه إلى فرض نفسه من جديد بأشكال مختلفة يصعب هذه المرة احتواؤها.
وعليه، الكاظمي ليس استثناء ولا ثابتاً، فهو متحول مؤقت أو طويل الأمد، لكن لا يمكن لأي طرف أن يشترط إبعاده أو حتى يفرض بقاءه، فله ما له وعليه ما عليه، والمهمة التي جاء من أجلها لم تنتهِ منذ أن فرضتها تشرين، وصولاً للأزمة الحالية (تأجيل المواجهة بين المتقاتلين) وهذه المرة بالحوار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاظمي والحوار بين متقاتلين الكاظمي والحوار بين متقاتلين



GMT 05:08 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 05:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 04:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

GMT 04:52 2024 السبت ,18 أيار / مايو

«كايسيد»... الحوار والسلام في عالم متغير

اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 13:25 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
  مصر اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 06:00 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة
  مصر اليوم - الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة

GMT 21:38 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

سمير صبري يُطمئن الجمهور بعد تعرضه لحادث

GMT 16:11 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

آيس كريم الفانيلا

GMT 09:05 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على طقس الثلاثاء في مدن ومحافظات مصر

GMT 16:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

اليونايتد يرفض طلب مانشيتر سيتي قبل الديربي

GMT 03:55 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

خنازير البحر أبرز الأنواع المعرّضة إلى خطر الانقراض

GMT 22:56 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

رجل مقنّع يثير الرعب بين نساء مدينة بريطانية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بعثة المنتخب تصل القاهرة بعد أداء مناسك العمرة الأربعاء

GMT 22:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ندوة "لا تغضب" عن الإعجاز العلمي في صيدلة الفيوم

GMT 04:18 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

المصمم اللبناني إيلي صعب يطرح مجموعته لربيع وصيف 2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon