توقيت القاهرة المحلي 15:12:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سر العلاقة المغربية – الأفريقية

  مصر اليوم -

سر العلاقة المغربية – الأفريقية

بقلم : خيرالله خيرالله

لم يتفاجأ بخطاب الملك محمد السادس الأخير في مناسبة الذكرى الرابعة والستين لـ“ثورة الملك والشعب” سوى الذين لا يتابعون خطابات العاهل المغربي عن كثب. كان الخطاب الأخير حلقة في تسلسل منطقي يربط بين الداخل والخارج، خصوصا مع الجوار المغربي، أي الجوار الأفريقي.

في خطاب “عيد العرش” آخر الشهر الماضي، ركز محمد السادس على الوضع الداخلي. دعا الأحزاب السياسية إلى تحمّل مسؤولياتها وإلى أن تكون في مستوى الإصلاحات السياسية التي كرسها دستور 2011 الذي أُقرّ في استفتاء شعبي. كانت هناك مصارحة ليس بعدها مصارحة بين الملك والشعب. أكّد الملك مرة أخرى أنه على تواصل مباشر مع المواطن المغربي، ومع ما يشعر بهوان الأحزاب التي لم تستطع لعب دورها على الصعيد الوطني وبقيت أسيرة حسابات صغيرة. لا علاقة لهذه الحسابات بالمشروع الوطني الكبير الذي أمّن للمغرب كلّ هذا التقدّم والتطور على كل الصعد، من تكريس لحقوق المرأة… إلى إقامة بنية تحتية تربط بين كل قرية وبلدة ومدينة. وصل الأمر بمحمّد السادس أن اضطر إلى القول للسياسيين وزعماء الأحزاب “كفى واتقوا الله في وطنكم. إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإمّا أن تنسحبوا”.

بعد هذا الكلام الواضح والصريح، لم تكن حاجة، بعد عشرين يوما من “عيد العرش” للعودة إلى الوضع الداخلي في خطاب “ثورة الملك والشعب”. كان لا بدّ من صدور كلام واضح يثبت مرّة أخرى أن محمّد السادس على دراية بالأسئلة التي تطرح في بعض الأوساط المغربية، ومن بينها لماذا كلّ هذا الاهتمام بأفريقيا؟

كان الجواب الذي خرج به العاهل المغربي منطقيا إلى آخر حدود، خصوصا عندما ربط بين زياراته لأفريقيا وتمتين الموقف المغربي من قضية الصحراء التي هي جزء لا يتجزأ من ترابه الوطني. لذلك أكد أنه “إذا كانت 2016 سنة الحزم والصرامة وربط القول بالفعل في التعامل مع المناورات التي كانت تستهدف النيل من حقوقنا، فإن 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل في شأن مغربية الصحراء”.

كشف محمّد السادس لمواطنيه مدى عمق العلاقات المغربية – الأفريقية، مشيرا إلى أنّ سياسة المغرب القارية ترتكز على معرفة دقيقة بالواقع الأفريقي، وقد أكّدتها أكثر من خمسين زيارة قام بها شخصيا إلى تسع وعشرين دولة أفريقية، من بينها أربع عشرة دولة زارها منذ أكتوبر – تشرين الأوّل الماضي.

من منطلق المعرفة بأفريقيا ودولها وهمومها، فضلا عن الاستفادة من الزيارات الكثيرة التي تعني الاطلاع على الواقع كما هو بدل البناء على أوهام، استطاع العاهل المغربي الحديث في خطابه عن “المصالح المشتركة من خلال شراكات تضامنية (تقوم على فكرة) رابح رابح”. وهذا يعني أن كلّ من دخل في مثل هذه الشراكة رابح.

لم يعزّز المغرب مكانته ومواقعه في أفريقيا ولم يستطع الوقوف في وجه الذين عارضوا عودته إلى الاتحاد الأفريقي فحسب، بل لعل أهمّ ما قام به محمّد السادس أيضا هو بناء نوع جديد من العلاقات مع الدول الأفريقية. تقوم هذه العلاقات على البعد، كلّ البعد عن الاستغلال والأفكار المسبقة. بالنسبة إلى المغرب “أفريقيا هي المستقبل. والمستقبل يبدأ اليوم”.

تخدم العلاقات المغربية – الأفريقية الجميع. إنّها علاقات من نوع جديد متطور بين أطراف متعددة تسعى إلى خدمة المواطن الأفريقي، وتوفير مشاريع تنمية تعزّز مكانة القارة السمراء التي تتعاطى معها الدول الكبرى بطريقة وأسلوب فوقيين.

إلى جانب ذلك كلّه، ذكّر محمّد السادس كل المعنيين بأنّ العلاقات المغربية – الأفريقية ليست بنت البارحة، بل تعود إلى خمسينات القرن الماضي وستينات ذلك القرن. نفى الاستعمار الفرنسي جدّه ووالده (الملكان محمد الخامس والحسن الثاني رحمهما الله) إلى مدغشقر في العام 1953. أدّى ذلك إلى “ثورة الملك والشعب”. ليس صدفة أن يكون نفي محمد الخامس والحسن الثاني إلى جزيرة أفريقية وليس إلى مكان آخر خارج القارة التي وضع المغرب نفسه في خدمة قضاياها منذ ما يزيد على نصف قرن.

تكمن أهمّية سياسة محمّد السادس في تلك الاستمرارية في كلّ ما يفعله منذ خلف والده صيف العام 1999. كان هدفه منذ البداية خدمة المواطن المغربي وحماية المغرب ومصالحه. ليس سرّا أن المغرب تحوّل جسرا إلى دول أفريقية عدة، وأن هناك شبكة متكاملة من العلاقات بينه وبين محيطه، خصوصا بسبب قربه من القارة الأوروبية. لم تكن العلاقات الجديدة التي نسجها المغرب مع الدول الأفريقية خارج هذا الإطار الذي يجمع بين المصالح المشتركة لأوروبا والمغرب، وتلك التي تجمع بين المغرب وأفريقيا.

في النهاية، هناك سباق على أفريقيا وعلى ثرواتها الضخمة بين قوى وتكتلات كبرى من أبرزها الولايات المتحدة والصين وأوروبا. الأكيد أن المغرب يعرف جيّدا ظروف هذه المنافسة وطبيعتها. ليس عيبا أن يجد بلد عريق لديه موقع استراتيجي ومناجم فوسفات مجالات للتعاون في تنفيذ مشاريع معيّنة. من بين هذه المشاريع مد خط لأنابيب الغاز من نيجيريا عبر الأراضي المغربية، وإنشاء مصانع تنتج الأسمدة بفضل الفوسفات في كل من نيجيريا وإثيوبيا.

يظل الفارق الأساسي بين المغرب من جهة، والدول والقوى الكبرى التي تسعى إلى إيجاد مواقع لها في أفريقيا من جهة أخرى في غاية البساطة. تختزل هذا الفارق عبارة من كلمتين هي عبارة “الاحترام المتبادل”. في هاتين الكلمتين يمكن سرّ العلاقة المتجددة بين المملكة ودول القارة السمراء بعيدا عن كل أنواع العقد التي يعاني منها أولئك الذين يقولون إنه كان على المغرب أن ينفق أمواله في داخل المملكة وليس في دول أفريقية. هؤلاء يجهلون معنى المصالح والمنافع المتبادلة القائمة على ما هو أبعد بكثير من المال والقيم المرتبطة بالمادة. إنهم يجهلون بكلّ بساطة معنى الاستثمار في أفريقيا وعوائده.

نعم، لدى المغرب ما يقدّمه لأفريقيا ولدى أفريقيا ما تقدّمه للمغرب “من أجل بناء أفريقيا واثقة من نفسها متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة منفتحة على محيطها”. هذا كل ما في الأمر بعيدا عن الحسابات الضيّقة التي ترفض أن تأخذ في الاعتبار أن لدى المغرب أيضا رسالة ذات طابع حضاري مرتبطة بالإسلام كدين معتدل. لو لم يكن الأمر كذلك، لما بذل المغرب كلّ هذه الجهود من أجل تخريج أئمة مساجد أفارقة كي يكون هؤلاء على علاقة بالإسلام الحقيقي بعيدا عن التطرّف والإرهاب.

ليس سرّا أن المسيرة الأفريقية للمغرب مستمرّة وباتت جزءا من الثوابت في السياسة التي تتبعها المملكة. من هذا المنطلق يعمل المغرب على إضفاء طابع رسمي على رغبته في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وهذا ما سيحصل قريبا.

في السياسة، كما في التجارة والأعمال، لا شيء ينجح مثل النجاح. لم يكن طبيعيا أن يكون كل هذا التسابق من القوى الكبرى على أفريقيا، فيما المغرب يتفرّج على ما يدور حوله، بل في القارة التي يقع فيها جغرافيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سر العلاقة المغربية – الأفريقية سر العلاقة المغربية – الأفريقية



GMT 03:48 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

قلنا: تفكير.. قالوا: تحصين وتكفير

GMT 03:47 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

فتح ملف الصناعة (١) «القانون هو الحل»

GMT 03:45 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

حسام حسن غلط فى دوري!!

GMT 03:36 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

د. أسامة السعيد.. هل يصبح خليفة سعيد سنبل؟!

GMT 03:25 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«الجن» برىء من الحرائق

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:09 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024
  مصر اليوم - «عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024

GMT 19:30 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة إعداد ورق عنب مع كوسا وريش

GMT 08:40 2014 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التونة والدجاج تساعدان في زيادة خصوبة الزوجين

GMT 08:42 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريم البارودي تبدو أنيقة في بدلة وردية اللون

GMT 05:38 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور محمود الموجي يُبيّن أسباب رائحة الفم الكريهة

GMT 20:55 2014 الخميس ,14 آب / أغسطس

استقرار اﻷوضاع اﻷمنية في شوارع الأقصر

GMT 05:44 2015 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مربى التفاح بالقرفة

GMT 16:29 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شركة سكودا تطلق الجيل الجديد من موديل سوبيرب

GMT 11:12 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

حمو بيكا يدعم طفلة مريضة سرطان ويقدم لها هدية

GMT 16:42 2021 السبت ,12 حزيران / يونيو

فساتين صيفية بتصميمات مُريحة من وحي النجمات

GMT 17:36 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

تراتيل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon