توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خاشقجى ومحنة ترامب

  مصر اليوم -

خاشقجى ومحنة ترامب

بقلم : محمد سلماوى

يخطىء من يتصور أن أزمة مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى هى من نصيب السعودية وحدها، فالحقيقة أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يواجه بهذه الأزمة واحدا من أكثر المواقف تعقيدا فى تاريخه داخل البيت الأبيض حيث يجد نفسه لأول مرة فى مواجهة العامة من الأمريكيين الذين يمثلون قاعدته الحقيقية والمصدر الرئيسى لشعبيته، والذين يطالبونه فى هذه الأزمة بما لا يستطيعه.

لقد بدأ ترامب نهجا جديدا فى علاقاته مع السعودية يقوم على الصفقات المالية المكشوفة والتى لا تغلفها غلالة المبادئ التى اعتادت دول العالم أن تغلف بها مصالحها الوطنية، حيث ظهر ترامب على شاشات التليفزيون وهو يقول لولى العهد السعودى محمد بن سلمان بفجاجة: إن لديكم أموالا كثيرة وتلك المليارات التى تدفعونها لا تمثل بالنسبة لكم أكثر من بضع حبات من فول السودانى، وقد رفع ترامب بعد ذلك حدة فجاجته الى درجة غير مسبوقة قبيل تفجر أزمة خاشقجى مباشرة حين أعلن على الملأ فى إحدى خطاباته المذاعة على التليفزيون، أنه اتصل بالملك سلمان وقال له مرة أخرى: إن لديكم أموالا كثيرة وعليكم أن تدفعوا ثمن حمايتنا لكم، ثم أضاف بسوقية غير معهودة فى خطاب العلاقات الدولية: بدون حمايتنا لكم ستكتسحكم إيران خلال أسبوعين فقط! وتساءل: لماذا نتحمل نحن ثمن قواتكم العسكرية؟!

وإذا كان مثل هذا الحديث يثير الاشمئزاز، وهو ما بات يشكل حرجا غير مسبوق للكثير من الأمريكيين أنفسهم، فإن ما يثير الفزع حقا هو جهل الرئيس الأمريكى بحقائق تعاملات بلاده مع السعودية، فهل يعقل أن يكون ترامب على غير علم بما يعرفه الجميع من أن بلاده لا تتحمل أية نفقات عسكرية للسعودية، وأن العكس هو الصحيح؟ فالمعروف أن السلاح الذى تبيعه الولايات المتحدة للسعودية يتم دفع ثمنه بالكامل أولا بأول دون أن تتحمل أمريكا منه سنتا واحدا، وعلى ترامب أن يعود للسجلات العسكرية الأمريكية ليعرف من الذى دفع الجزء الأكبر من نفقات القوات الأمريكية فى حربها ضد العراق، أى أنه لو كان هناك طرف يتحمل النفقات العسكرية للآخر فإنه السعودية وليست الولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك بالطبع أن السعودية لا تتلقى معونات من الولايات المتحدة، بل إنها طوال تاريخها لم تتلق أي معونات أمريكية من أى نوع. لكن هكذا أراد ترامب أن تكون العلاقات الدولية للولايات المتحدة قائمة على مبدأ واحد هو الحصول على أكبر قدر ممكن من المال حتى على حساب لى الحقائق وإطلاق الأكاذيب، وهو ما يتصور أنه يرفع من شعبيته لدى الأمريكيين الذين يجد العامة منهم فى تعاملاته ما يذكرهم بأبطال رعاة البقر الذين تربوا على أفلامهم القديمة، ومع ذلك فترامب يقدم السعودية التى يعمل على بتزازها بهذا الشكل على أنها دولة صديقة، بل هى الحليف المقرب.

من هذا المنطلق فقد سارع ترامب بالدفاع عن السعودية عند بداية الأزمة التى أثارها اختفاء جمال خاشقجى، وهذا المقال ليس مخصصا للتعليق على تلك الجريمة وملابساتها، فسيكون لذلك مقال آخر، فإن ما يعنينا هنا هو كيف أصبحت تلك الأزمة تمثل معضلة للرئيس ترامب لا يعرف حتى الآن كيف يخرج منها، فقد أعلن ترامب فى بداية الأزمة أن النظام السعودى ليس طرفا فى تلك الأزمة وأكد أن الملك سلمان أخبره شخصيا أنه لا يعرف شيئا عن هذا الموضوع الذى لم يحدث فى السعودية وانما فى قنصلية بلاده فى اسطنبول، لكن الضغوط أخذت تحاصر ترامب من أعضاء الكونجرس ورجال الأعمال والصحافة والإعلام، وازدادت حدتها مع كل يوم جديد، فطالب الكونجرس ترامب بتطبيق قانون ماجنتسكى الدولى الذى يدعو لفرض عقوبات على الدول التى تنتهك حقوق الإنسان، كما تصاعدت أصوات تطالب بوقف بيع السلاح للسعودية، وإزاء تلك التعبئة القوية للرأى العام الأمريكى لا يملك المرء إلا أن يتساءل أين كان كل هؤلاء من المئات من حالات القتل العمد والتشويه التى يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطينى بشكل منهجي على أيدى الإسرائيليين؟ صحيح أن أحدا من هؤلاء لا يكتب فى الواشنطن بوست مثل جمال خاشقجى، لكنهم بشر أبرياء يدافعون عن حريتهم وحقوقهم الوطنية مثلما يقال إن خاشقجى كان يدافع عن حقوق مواطنيه.

على أن ترامب لم يعبأ بأى من ذلك بل سارع مرة أخرى للدفاع عن صفقات السلاح للسعودية ولبيان عدم سلامة قرار وقفها قائلا بأن هذا القرار صعب قبوله، ثم عاد فقال بالحرف الواحد يوم الخميس قبل الماضى: لا أحب أن أوقف كميات هائلة من المال تتدفق علينا، موضحا أن السعوديين ينفقون 110 مليارات دولار على السلاح مما يوجد فرص عمل كثيرة للأمريكيين، وهو ما أوضحت عدم صحته جريدة النيويورك تايمز فى عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضى، حيث أكد جوناثان كافيرلى فى مقال له بالصفحة الأولى أن صفقات السلاح التى عقدها ترامب مع السعودية لا تتعدى العشرين مليارا، وأن ذلك يمثل نسبة ضئيلة من صادرات الولايات المتحدة من السلاح، كما أن تلك الصادرات لا تمثل فرصا كبيرة للعمل، مشيرا إلى ما أعلنته شركة لوكهيد من أن صادراتها من طائرات الهليكوبتر للسعودية والتى تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار لا تمثل إلا 450 فرصة عمل.

لقد أرسل ترامب وزير خارجيته مايك بومبيو إلى السعودية فى محاولة لتهدئة الضغوط المطالبة بفرض عقوبات على حليفه المقرب، لكن بومبيو عاد من الرياض ليطلب التريث لبضعة أيام، فهل سيتمكن ترامب من الاحتفاظ بتأييد قاعدته التى تعودت منه الاندفاع بل والتهور، وهو يدعو الآن إلى التريث بل والتعقل؟

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خاشقجى ومحنة ترامب خاشقجى ومحنة ترامب



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt