توقيت القاهرة المحلي 00:24:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شهادة صلاح منتصر

  مصر اليوم -

شهادة صلاح منتصر

بقلم : محمد سلماوى

قد نتفق مع الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر (85 سنة) فى بعض آرائه أو نختلف، لكن ما لا نستطيع إنكاره هو أنه طوال حياته الصحفية الممتدة اتبع نهجا مستقلا ولم يحسب على أى نظام سياسى من الأنظمة التى عاصرها، وهى أنظمة عبد الناصر والسادات ومبارك والآن السيسي، فقد عايش تلك الأنظمة الأربعة كصحفى يتابع الأحداث ويحللها لكنه لم يضع نفسه أبدا فى خدمتها، لذلك فأى نقد يوجهه لأى من تلك الأنظمة هو نقد موضوعى نابع عن اقتناع شخصى ومنزه عن الغرض. 

وقد أصدر صلاح منتصر أخيرا كتاب «شهادتى على عصر عبد الناصر: سنوات الانتصار والانكسار» والذى تفضل بإهدائه لى بهذه الكلمات: «أعرف مقدما أنك لن توافقني، ولكن أرجو ألا يقلل ذلك من علاقة محبتنا»، وقد وضع صلاح منتصر فى هذا الكتاب (142 صفحة) الذى نشر فى سلسلة «كتاب اليوم» الصادرة عن «أخبار اليوم» كل انتقاداته لسياسات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر طوال فترة حكمه من عام 1952 وحتى رحيله يوم 28 سبتمبر 1970، لكن الحقيقة أننى أجد أن حجم الاتفاق مع ما جاء بالكتاب من ايجابيات يفوق كثيرا نقاط الاختلاف، فقد تحدث الكتاب أورد عن زعامة عبد الناصر غير المسبوقة وحب الجماهير له على امتداد الوطن العربي، وعن إخلاص عبد الناصر للأهداف التى نذر حياته لها والتى نجح فى تحقيق بعضها وأخفق - حسب رأى المؤلف - فى البعض الآخر، ويرصد صلاح منتصر فى الكتاب كيف نجح عبد الناصر فى تحرير مصر من الاستعمار البريطانى الذى ظل جاثما على صدر البلاد طوال 70 عاما، وكيف نجح فى تأميم قناة السويس، ورغم ما يورده المؤلف من أنه كان باقيا على إعادة القناة لمصر 12 عاما بسبب انتهاء عقد الاتفاق مع انجلترا وفرنسا، إلا أن انتهاء العقد لا يعنى بالضرورة أن القوى الإستعمارية القديمة كانت ستترك القناة طواعية وترحل، بدليل الحرب التى خططت لها سرا ونفذتها بمساعدة إسرائيل للابقاء على سيطرتها عليها، ولو أنها كانت تنوى بالفعل الرحيل بعد بضع سنوات لما تكبدت عناء شن حرب عسكرية بتلك التكلفة الباهظة التى نتجت عنها، لكن تلك قصة أخرى فالمؤلف هنا يوضح أن معركة القناة كانت معركة كرامة فى المقام الأول، بعد الصفعة المهينة التى وجهتها الولايات المتحدة لمصر برفض تمويل مشروع السد العالى بحجة أن اقتصاد مصر لا يتحمل هذا المشروع العملاق الذى سبق أن شهدت واشنطن بسلامته وحثت البنك الدولى على المشاركة فى تمويله، «ولهذا عندما أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956 لم نحسب يومها مكاسب وخسائر عملية التأميم وأننا سنسترد القناة بعد 12 سنة، وإنما كان الحساب على أساس أنها معركة كرامة تهون فى سبيلها أى تضحيات».

كما يرصد الكتاب كيف خرج عبد الناصر منتصرا من حرب السويس، وكيف خرج من حدود المحلية ليتحول الى بطل عربى حتى رحيله ورغم الانكسارات التى منى بها خلال سنوات زعامته الـ 18، لكن صلاح منتصر يختلف مع جميع القرارات الإشتراكية التى طبقها عبد الناصر على الصعيد الاقتصادى والتى يرى أنه ثبت فشلها فى جميع الدول التى طبقت فيها، مؤكدا أنه ليست هناك دولة واحدة فى العالم نجحت فيها الاشتراكية، وأن عبد الناصر لو كان قد امتد به العمر- كما امتد بآخرين من القادة الاشتراكيين فى العالم - لكان قد تراجع عنها كما تراجعوا هم، كما يختلف بشدة مع لجنة تصفية الإقطاع التى رأسها المشير عبد الحكيم عامر ورجاله، ومع أسلوب عملها الذى انطوى على الكثير من «الجرائم»، لكنه يشير بموضوعية الى محضر اجتماع على مستوى رفيع عاتب فيه عبد الناصر أعوانه على أن أحدا منهم لم يطلعه على تجاوزات اللجنة فى حينها. 

أما هزيمة يونيو 1967 فلا يجد لها صلاح منتصر عذرا ولا يعفى عبد الناصر من مسئوليتها، رغم إقراره بأن المتسببين فيها بشكل مباشر كانوا غيره، لكنه فى نفس الوقت يؤكد بلا أدنى مواربة إصرار عبد الناصر على تجاوزها، وعمله الجاد والمضنى على إزالة آثارها من خلال نجاحه فى إعادة تسليح الجيش، وهو ما مكن مصر بعد ذلك من تحقيق نصر أكتوبر العسكري، ومن خلال شن حرب الاستنزاف التى بدأت بإغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»، وقد كبدت حرب الاستنزاف إسرائيل خسائر جسيمة مما دفع بالولايات المتحدة الى تقديم مبادرة وزير الخارجية آنذاك وليام روجرز لوقف القتال. 

وإذا كان الكثير من تلك الانتقادات قد قيل من قبل، إلا أن الجديد الذى يقدمه صلاح منتصر فى كتابه هو تتبعه لموضوع سوريا والجرح الذى أصاب عبد الناصر من جراء انفصالها بعد الوحدة، والذى يرى صلاح منتصر أنه جرح ظل يدمى بقية حياة عبد الناصر، وإليه تعود معظم الأزمات التى لاحقت الزعيم حتى أودت بحياته فى نفس يوم الانفصال وهو 28 سبتمبر1970، حيث يقول «لم تنته آثار سوريا بالانفصال بل ظلت حاضرة فى مختلف الأحداث والقرارات المصيرية التى شهدتها مصر»، من تورطنا فى حرب اليمن، إلى إدخالنا حرب 1967، وهى التى دفعت عبد الناصر الى تطبيق القوانين الاشتراكية بعد الانفصال، بل هو يرى أن تأثير سوريا امتد لما بعد رحيل عبد الناصر حيث تسببت - حسبما يرى - فى خسارتنا العسكرية يوم 14 أكتوبر والتى أدت لحدوث الثغرة، كما يرى أن مثال سوريا هو الذى صدر لنا فكرة توريث الحكم التى كانت أحد أسباب ثورة 25 يناير. هى رؤية قد نرى فيها بعض الافتعال، لكنها رؤية مبتكرة لم يسبق أن طرحها أحد بهذا الشمول قبل صلاح منتصر. 

نقلاً عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهادة صلاح منتصر شهادة صلاح منتصر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon