"القصر الحزين"

يمثل الـ18 من مارس / آذار تاريخًا مهمًا على أرض محافظة المنيا، عروس الصعيد، بعد أن تزعم الدكتور خليل أبو زيد جموع شعب ديرمواس، في ثورة خرجت تهتف ضد جنود الاحتلال الإنجليزي. وهاجم الأهالي القطار الذي كان يقل العسكر الإنجليز، وقتلوا من فيه، وكان من بينهم مدير السجون الإنجليزي في مصر آنذاك، ومنذ ذلك الحين، اختارت المنيا هذا اليوم عيدًا قوميا لها، تحتفل به كل عام.

والغريب في احتفال هذا العام أن محافظة المنيا استعدت له منذ شهر، بجدول زمني واحتفالات ومراسم وزيارات وافتتاحات لمشاريع، وتنشيط للسياحة، دون أن يكون هناك زيارة لـ "قصر الثورة" ضمن البرنامج الاحتفالي، هذا القصر الذي لا يبعد سوى كيلومترين عن قرية التل، التي زارها اللواء عصام الدين البديوي، المحافظ، والوزراء، وجميع القيادات التنفيذية والإعلامية، دون أن يخطوا خطوة واحدة تجاه هذا القصر، التي انطلقت منه شرار ثورة 1919، ونظرا لإهمال التنفذيين له، لمدة تزيد عن 98 عامًا، أطلق عليه أهالي القرية ومالكوه "القصر الحزين".

ويقول محمد مهنى أبو زيد، 80 عامًا، ابن شقيق الشهيد الدكتور خليل أبو زيد، مفجر انتفاضة 18 آذار في المنيا: "كان خليل أستاذًا في الزراعة، التي درسها في جامعة لندن، وعاد إلى ديرمواس وعمره 27 عامًا، لكن لم يعجبه الوضع لدى عودته، وقارن بين الحياة في لندن وفي ديرمواس حيث رأى الذل والاستعباد والظلم للمصريين على يد الإنجليز".

وأضاف محمد رأفت عبد المنعم عبد الرحمن، 70 عامًا، موظف متقاعد: "قررأبو زيد إشعال نار الثورة في مركز ديرمواس، وفي 17 آذار اجتمع بأهالي المركز في مسجد أولاد محمود، واتفقوا، مسلمين وأقباط، على قطع طريق القطار القادم من السودان، والذي يقل مسؤول السجون، المدعو "بوب"، ولكن لظروف ما أتي القطار في 18 آذار، متأخرًا عن موعده، وتجمع على قضبان السكة الحديد في ديرمواس وديروط ما يقرب من 4000 آلاف شخص، من رافضي الاحتلال".  ومع اندلاع الاشتباكات، التي أسفرت عن مقتل ثمانية جنود وإصابة العشرات، كُسرت أوانٍ فخارية ممتلئة بالعسل على المحطة، ليختلط العسل بدماء الجنود وتسمى، ديرمواس ببلد العسل والدم.

ولفت ممدوح محمد عرابي حماد، 56 عامًا، مراقب عام حسابات في وزارة المال، إلى أن ملحمة شعب ديرمواس لم تكن أقل من أي ثورة، بل زادت في وطنيتها والتفاف الشعب حولها، وقياداتها الشابة، وكانت الثورة الوحيدة في مصر التي تعرضت لجرائم قتل دون أي أغراض للوصول إلى جاه أو مال، فالقادة كانوا من الأعيان وأصحاب النفوذ.

ويقول خالد محمد مهنى أبو زيد، 47 عاما، حفيد الدكتور خليل أبو زيد: "كان هناك معرض في إحدى قاعات مجلس مدينة ديرمواس، بمثابة متحف يحوي مخطوطات وصورًا وبانوراما وكتبًا تحكي أحداث ثورة المنيا، غير أنه تعرض للحرق والنهب عقب أحداث رابعة العدوية، في 2013".

ومن جانبه، قال العمدة محمد عبد المنعم عبد الرحمن، 47 عامًا، حفيد آل أبو زيد، مفجري الثورة: "عقب مقتل بوب، اجتمع الثوار داخل مسجد أولاد محمود، وأقسم المسلمون على كتاب الله، وأقسم الاقباط على الإنجيل، بعدم الإدلاء بأي معلومات عن أي ثائر مهما اشتد التعذيب من قبل الإنجليز، وهذا أن دل يدل على الوحده الوطنية بين الاقباط والمسلمين في وقت الشدة".

وطالب حسن عباس حسين، 65 عامًا، مدير عام إدارة ديرمواس التعليمية سابقًا، بإدراج مدرسة البنات ضمن خطة هيئة الأبنية التعليمية، كما طالب اللواء عصام البديوي، محافظ المنيا، بتطوير مسجد أولاد محمود، الذي لم يشهد أي تطوير منذ كثر من 100 عام، كما طالبه بضم قصر الثورة "الحزين" إلى  القصور الأثرية، وجعله مزارًا سياحيا إسلامية وتاريخيًا، والاهتمام بإعادة ترميمة حتى لا يزول تاريخه، وتاريخ الثورة.

ووجه أحمد جمال راغب أبو زيد، حفيد "آل أبو زيد"، رسالة إلى المحافظ، قائلاً: "سيادة المحافظ، لا يبعد قصر الثورة الحزين عن قرية التل سوى ثلاثة كيلومترات، شرارة الثورة انطلقت من هنا، فيكف لم تضع أجهزتك التنفيذية ضمن برنامج الاحتفال زيارة القصر، وكيف يتم الاحتفال بتاريخ لم تهتم أنت وأجهزتك التنفيذية به؟".