لصوت الجميل للمغني أو المطرب هو ملكة وموهبة لا تُلازمه حتى الممات، بل إنه وهج يخفُت وتضمحل قوته وتشيخ نبراته مع تقدم المغني في العمر. فكثيراً ما نتساءل عن سبب تقاعد مغن ما واعتزاله فجأة عالم الطرب والنغم، والحال أنه يكون قد اتخذ هذا القرار في لحظة صدق مع النفس بعد أن لاحظ أن جودة صوته تراجعت، أو أن صوته فقد جاذبيته، فيجد من باب احترمه لجمهوره أن يعتزل. وإذا كان ذلك يبقى رأي المغني الشخصي، فإن العلم يرى أن للصوت أمد حياة معيناً، وأن هناك تقنيات وممارسات تسمح بتمديد أمد عمر هذا الصوت، ووقايته من الشيخوخة المبكرة، واستدامة مخرجات الحبال الصوتية لتصدح أطول مدة ممكنة، بل ومواد ومراهم تحفظ لياقة الحنجرة وجراحات تشدها وتجملها. يقول باحثون أميركيون إن كل شخص ينبغي أن يفكر في النجم الغنائي الذي يحبه كما يفكر في البطل الرياضي. وتقول أندريا ليب، مغنية محترفة ومُدرسة مهارات صوتية في مركز ماكفيل الموسيقي في مدينة مينيابولس الأميركية، «الصوت شيء بدني لا يختلف عن عضلات الجسم الأخرى، ولياقته تتوقف على مدى استخدامه وتمرينه. فإذا توقفت عن الصعود على السلالم كل يوم، فإنك تجد صعوبة في الأمر عندما تضطر في يوم ما لفعل ذلك. والشيء ذاته ينطبق على الصوت. فعضلات الجسم تفقد جميعها قوتها وحيويتها عند التقدم في العمر، ولذلك فإنه يتعين على الراغب في تطويل أمد عمر صوته أن يبذُل جهداً أكبر لتحقيق ذلك». وتُضيف أندريا «نجم الأوبرا بلاسيدو دومينجو لا يزال صوته يصدح في المسارح رغم بلوغه 71 سنة نظراً لأن صوته يتمتع بلياقة عالية جداً». ترى أندريا أن الصوت هو شيء محدود. فهو ليس شيئاً قابلا للاستهلاك كليةً. وعندما تغني، فإنك تقوم في الواقع بتدريب صوتك، وذلك ينعكس إيجاباً على لياقة حنجرتك أكثر مما يحدث عندما تتحدث فقط. فعضلات الشخص الذي ينتظم في الذهاب إلى ناد لكمال الأجسام ويحمل أثقالاً، تكون حتماً أقوى من عضلات الشخص الذي لا ينتظم في ممارسة أي نشاط رياضي، وأقصى ما يحمله هو الأشياء التي يقتنيها من البقالة أو مركز التسوق. ومن هذا المنطلق، يُعد الاستخدام المكثف للصوت قضية محورية لدى اتحادات مغنيي الأوبرا. إذ يُلزم مديرو هذه الاتحادات مغنيي الأوبرا باتباع قوانين صارمة تخص عدد مرات تداريب الأداء، ليس من أجل تحضير المغني للعرض الرئيس، وإنما بهدف تطويل أمد حياة صوته وما يعنيه ذلك من استدامة أرباح السهرات التي يحييها. كما تُفرَض عليهم أنماط عيش حازمة تستهدف الحفاظ على صحتهم العامة، وحصول كل واحد منهم على قسط كاف من الراحة ومن المياه والسوائل اللازمة، وجعل صوته يتمتع بلياقة عالية دائمة. تقول أندريا «إذا كنت مدخناً، فإنك ستجد صعوبة بالغة في الحفاظ على لياقة صوتك. وإذا كنت تتناول المشروبات الكحولية كل ليلة، فإنه يغدو من المستحيل عليك أن تُطيل أمد حياة صوتك الغنائي».