الشاعر صلاح عبد الصبور

أمل أي كاتب أن تبقى أعماله محفوظة في الأذهان، يذكره المرء كلما شعر أن تلك الكلمات تُناسب شعوره في لحظة ما، يحس أن هناك رابط خفي بينه وبين هذا المؤلف، وتمكنه من التعبير عمّا لم يستطع قوله، لذا يتجسد نجاح الشاعر صلاح عبد الصبور عبر أفواه الممثلين الشباب، تظلّ حتى الآن مسرحياته الشعرية اختبارًا لحرفية الممثل، يتخذها برهانًا على قوة أدائه أمام أساتذة المسرح والجمهور، وفي ذكرى ميلاد عبد الصبور يذكر أهل المسرح سر بقاء الشاعر على الخشبة حتى الآن.

على خشبة مسرح كلية التجارة كان الممثل "أحمد الجوهري" يقف ملقيًا كلمات عامل التذاكر في مونولوج بمسرحية "مسافر ليل"، إحدى أعمال عبد الصبور في المسرح الشعري، يقول الجوهري، رئيس فريق التمثيل، إن المونولوجات الشعرية لعبد الصبور تعتبر "إشباع للممثل"، لذا لا يختار إلقائها سوى من يبرز قوته.

يؤيده في ذلك "محمود جمال"، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في التأليف المسرحي، يذكر مزايا المونولوج الشعري لدى عبد الصبور "المونولوج عنده بيتقال بصنعة وفكر حقيقي، وبيطرح أسئلة للمتلقي"، كذلك لا يُقال المونولوج بإحساس واحد "فيه نقلات يكون الشخص بيضحك وفجأة يعيط، والممثل الشاطر اللي يقدر يطلع المشاعر دي".

خمسة أعمال قدّمها صلاح عبد الصبور للمسرح الشعري هي؛ ليلى والمجنون، مسافر ليل، مأساة الحلاج، بعد أن يموت الملك والأميرة تنتظر، لكن أشهر ما يُقدّم من مونولوج لثلاث أعمال منهم فقط، يقول الجوهري إن مونولوج شخصية سعيد "يوميات نبي مهزوم"، ومونولوج السجين الثاني بمأساة الحلاج، وعامل التذاكر في مسافر ليل، هي الأشهر من بيهم "اللي بيختار يمثل مونولوج منهم بيكون على دراية بالعمل المسرحي، لما دخلت فريق التمثيل كنا بنتمرن عليهم".

داخل ورش الإعداد يختار جمال أحد تلك "المونولوجات" حتى يقوّي بها أداء الممثل، يتفق الجوهري ومؤلف "1980 وانت طالع" على أن الأعمال الشعرية لعبد الصبور تتماس مع ظروف كل عصر، يذكر جمال "معظم كتاب المرحلة دي بيمجدوا الثورة أو يشتموا فاروق، لكن عبد الصبور كان بيخاطب السلطة مش باسم حاكم معين"، وفي رأي الجوهري أن عبد الصبور "كان سابق وقته في التوقعات السياسية، وبيقدر يكتب عن أزمان سابقة لكنها شبه عصرنا كأنها كربونة".

تتجلى قيمة عبد الصبور في نظر دكتور "عمرو دوارة"، المخرج والمؤرخ المسرحي، أنه لم يتخط أحد ما قام به الشاعر بالمسرح، حتى أنه أعجب كثيرًا بشخصية سعيد في مسرحية "ليلى والمجنون" فقدّمه في عرض مسرحي اسمه "أجنحة الأقوال"، عُرضت بمهرجانات مسرح في الأردن والمغرب.

قام أستاذ المسرح بمزج عدد من شخصيات عبد الصبور داخل سعيد، ويبدأ العرض المسرحي منذ ليلة الإفراج عنه، رغم أن تلك الشخصية في النص الأصلي لم يتم القبض عليها، لكنه كان صحفيًا ثوريًا وساخطًا على الأوضاع "سعيد شخصية ثرية وله تجربة مهمة منها طفولته والأم اللي قدرت تربيه في ظروف اجتماعية صعب واضطرت للزواج من رجل جشع".

"هل تدري يا شيخي الطيب أني يومًا كنت أحب الكلمات؟ لمّا كنت صغيرًا وبريئًا".. تساؤل على لسان ما سماه عبد الصبور في مسرحية مأساة الحلاج "السجين الثاني"، مازالت تلك الكلمات تُستدعى على خشبة المسرح، وتُناسب كل عصر وأوان.