مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية الدكتور أحمد مهران

تباينت آراء عدد من الخبراء والمتخصصين عن قانون التصالح مع رجال الأعمال هل هو في صالح الاقتصاد المصري، أم باب خلفي للفساد ويشجع عليه، مؤكدين أنه لا مساواة بين رجل أعمال متعثر ورجل أعمال متهرب أو فاسد، وسط انتقادات للتصالح مع رجال الأعمال الفاسدين، في حين يرى فريق آخر أن التصالح مع رجال الأعمال برد الأموال المنهوبة هو المفتاح السحري لخزينة الدولة.

فقد وافق مجلس الوزراء بتاريخ 17 تموز/يوليو 2015، على تعديل بعض أحكام القانون رقم 62 لعام 1975 والخاص بالكسب غير المشروع وتضمنت التعديلات إمكانية قبول الجهات القضائية المختصة عرض المتهم بالتصالح عن جريمته بشرط أن يرد كل ما اكتسبه من أموال غير مشروعة.

وشملت التعديلات المقترحة منح هيئة الفحص والتحقيق الحق فى مطالبة النيابة العامة من منع المتهم فى جناية الكسب غير المشروع من السفر أو الإدراج على قوائم ترقب الوصول، ومنحت هيئة الفحص والتحقيق المتهم الحق فى الاعتراض على تقدير اللجنة لقيمة الأصول موضوع الكسب غير المشروع عن طريق التظلم لوزير العدل خلال 15 يومًا، ويفحص التظلم بمعرفة لجنة مغايرة من الخبراء يشكلها وزير العدل، فهل تأتي هذه الخطوة إنقاذا للاقتصاد أم تحايلا على القانون، ويؤكد الخبراء والمختصون أنه إذا كانت المصالحة في إطار زيادة تداول الأموال، وتدفق رؤوس الأموال لإنعاش السوق المصرية فهو جيد ومطلوب، أما إذا كان التصالح متعلقا بالجرائم المرتكبة منهم، فلا يجب المصالحة في الفساد والتهرب الضريبي، ومن تسبب في جرائم أدت إلى تدهور الأحوال المعيشية لدى المواطن المصري.

وفي 12 آذار/مارس من العام الماضي أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون رقم (16)، والمعدل لقانون الإجراءات الجنائية الذي يبيح لرئيس الجمهورية، العفو عن مرتكبي الجرائم دون ذكر أسباب، تقديرًا منه للمصلحة العامة.

وأضاف القانون مادتين جديدتين هما (18) مكرر (ب) و(208) مكرر (هـ) إلى قانون الإجراءات الجنائية، وبمقتضاهما "أجيز لأول مرة في التاريخ المعاصر ما ظل محظورًا دستوريًا، وهو إجازة التسوية الودية، والصلح مع مرتكبي جنايات الاعتداء على مصالح الدولة، والمنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهي: "جرائم اختلاس الأموال العامة والخاصة، والاستيلاء بغير حق، وجريمة الغدر أو طلب أو أخذ ما ليس مستحقًا من ضرائب، وجرائم محاولة التربح من أعمال الوظيفة والإخلال بتوزيع السلع، وجرائم إحداث الضرر بالأموال والمصالح عمدًا بالإهمال، وجرائم الإخلال بتنفيذ بعض العقود الإدارية وعقد المقاومة، وجريمة استخدام العمال سخرة، وجريمة تخريب الأموال الثابتة والمنقولة"، وأباحت المادة (18) مكرر (ب) من قانون التصالح في هذه الجرائم .

ومن جانبه يرى مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية الدكتور أحمد مهران، أن قانون التصالح مع رجال الأعمال، يتفق تمامًا مع النهج الذي كان يتبعه نظام مبارك في التعامل مع رجال الأعمال الهاربين من الضرائب، وبأموالهم والقائمين على غسيل الأموال، ويقول إن مسألة التصالح مع رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال، يجب أن تأتي في إطار من الشرعية القانونية، والبعد عن غض الطرف عن جرائم الأموال والفساد والتهرب الضريبي.

وأوضح مهران أن الخلل يكمن في أن هناك تقصير في الوفاء بالمديونية، والديون التي تكبل بها رجال الأعمال لمصلحة البنوك، وإذا كان أصحاب الأموال لديهم تعثر في سداد الديون لدى البنوك يتم التصالح فيها من خلال الجدولة، أما إذا كان رجال الأعمال من الفاسدين أو المتهربين ضريبيًا، فالمسألة تختلف لأن التصالح في هذه الحالة يعد غضا للطرف عن جرائم وليست مصالحة، فإذا كانت المصالحة في إطار زيادة تداول الأموال، وزيادة تدفق رؤوس الأموال لإنعاش السوق المصري فهو جيد ومطلوب، أما إذا كان متعلق بجرائم لهؤلاء الأشخاص، فلا يجب المصالحة في الفساد والتهرب الضريبي ومن تسبب في جرائم أدت إلى تدهور الأحوال المعيشية لدى المواطن المصري، مضيفًا أن القانون يحتاج إلى تعديل، لأنه يشكل إخلالا بمبدأ المساواة بين رجل أعمال متعثر، ورجل أعمال متهرب أو فاسد، ويساهم في انتشار الفساد وتشجيع الفاسدين، والإخلال بمبدأ المساواة بين المتهرب والمتعثر.

ويتفق معه  الدكتور طارق نجيدة المستشار القانوني لحزب التيار الشعبي "تحت التأسيس"، مؤكدًا رفضه للتصالح مع رجال الأعمال الفاسدين في كافة القضايا المتعلقة بالاعتداء على المال العام، موضحًا أن التصالح معهم بعد وقوع الجريمة يشجع على الجرائم، وبالتالي فهو مرفوض.

وأضاف أن الدستور قرر في مواده أن الدولة مسؤولة عن حماية الملكية العامة وبالتالي لا يجوز أن تصدر تشريعًا من شأنه التفريط في المال العام ويساهم في إهدار الملكية العامة للدولة.

وأوضح أن عدم التصالح في قضايا المال العام، سيساهم في منع رجال الأعمال الفاسدين من الوجود في الحياة الاقتصادية في مصر، ويشجع الجادين والراغبين في العمل بشرف في السوق المصرية.

وتقول الدكتورة يمنى الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إنه يجب النظر في القانون وصياغته، من خلال دراسات العائد والتكلفة، والتي تعرف بدراسات الجدوى، موضحة أن أفضل عائد من هذا القانون هو التصالح مقابل عودة الأموال المنهوبة.

وأضافت أن أي شيء فيه شبهة جنائية فالتصالح لا يتضمنها، لأن حق الدولة مرتبط بسيادة القانون، مطالبة بضرورة تقسيم رجال الأعمال إلى فئات للتصالح معهم، وأن يتم التصالح مع الفئات الأقل ضررًا وليس عليهم شبهات جنائية، وأن على الدولة أن تقوم بعمل دراسات علمية قوية عمن أساء، وتطبيق القانون وفقًا للعائد والتكلفة، مؤكدة على أهمية التصالح مع رجال الأعمال بسبب تأخر القضاء في الحصول على الحقوق، ودخول إيرادات للدولة، والاستفادة بخبرات بعضهم في الاستثمار في البلاد، مما سيكون له آثار إيجابية على الاقتصاد، مؤكدة على ضرورة إرساء دولة القانون.

وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن صدور قانون يسمح بالتصالح مع رجال الأعمال المتهمين فى قضايا فساد متأخر، وكان من المفترض صدوره بعد ثورة 30 يونيو مباشرة، مؤكدًا أن صدور القانون يساهم فى حل المشاكل الراهنة والتى تواجه الدولة من أزمات اقتصادية وسياسية، متمنيا أن يساهم القانون فى الحد من نسب الفساد التى تحدث دون علم، والتى أخفاها الفاسدون خوفا من العقاب.

وقالعضو مجلس النواب عادل عامر، إن قانون التصالح مع رجال الأعمال غير مطروح حاليًا على أجندة المجلس، موضحًا أن القوانين المنظورة حتى هذه اللحظة تتمثل في قانون العدالة الاجتماعية، وقانون بناء دور العبادة الموحد، وقانون توفيق الأوضاع على الأراضي الزراعية بتعديل قانون 119، والقانون المتعلق بشأن تصويب أوضاع العمال وأصحاب الشركات.

وأضاف عامر أن القانون الخاص بالتصالح مع رجال الأعمال لم يُذكر في هذه المرحلة، وهو ملف هام جدًا يجب أن يُنظر ويأخذ مجلس النواب فيه قرار، موضحًا أن إجمالي المتحصلات التي يتم تجميعها من الضرائب تصل إلى 75% من النشاط الخاص ويستوجب الاهتمام بها، لافتًا إلى أن كل دول العالم تهتم بإيجاد بيئة خصبة للمستثمر للتنمية داخل البلاد.

وأكد عضو مجلس النواب أنه يجب أن يكون القانون واضح لحق الدولة، وأن يتم التعامل مع رجال الأعمال وفقًا لميزان العدالة، لافتًا إلى أن مردود تطبيق هذا القانون سيعود على المجتمع المصري بالعديد من المزايا وعلى رأسها توفير العديد من فرص العمل للشباب، وجذب مستثمرين جدد إلى السوق المصرية، بالإضافة إلى فتح الأسواق العاليمة للسياحة المصرية، نظرًا لوجود بيئة تشريعية قوية تؤكد أن مصر تشجع على الاستثمار مع المحافظة على حقوقها.

وعن التصالح مع الغارمين الذين يتم حبسهم على مبالغ مالية قليلة أوضح عامر أن ذلك الملف يخص المبادئ والعدالة الاجتماعية، مطالبًا جميع رجال الأعمال وأصحاب الشركات بضرورة تطبيق وتفعيل المسؤولية المجتمعية ويجب تأسيس خريطة جديدة تضم قطر مصر بالكمال للوقوف بجانب الغارمين والغارمات.

وقالالخبير الاقتصادي وعضو مجلس النواب الدكتور محمد فؤاد إن الأهم من التصالح مع رجال الأعمال الفاسدين هو فض المنازعات مع المستثمرين والمتعلقة بالنزاعات على الأراضي، لافتًا إلى أن دور مجلس النواب هو عمل تشريعات لعدم وجود نزاعات بالأساس.

وأكد الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري وأحد أعضاء لجنة العشرة التى وضعت المسودة المبدئية لدستور 2014، موقف مجلس النواب من عمليات التصالح في قضايا الفساد المالي، بأنه لن يكون للبرلمان يد فيها.

وقال إن النواب وافقوا على تعديلات قانون الكسب غير المشروع ضمن القوانين التى أقرت في الـ15 يوم الأولى، لافتًا إلى أن الأمر حاليا أصبح بيد الحكومة متمثلة في وزارة العدل، وعرض حالات التصالح على البرلمان بشكل فردي قال فوزي إن ذلك ليس من مهام المجلس بل هو شأن حكومى وقضائي فيما بعد.

ومن أبرز الشخصيات التى تخضع  للتحقيق فى قضايا الكسب غير المشروع الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجلاه وزوجاتهم وعدد من رموز نظامه وهم صفوت الشريف وحسين سالم ورشيد محمد رشيد، وزكريا عزمى، وأنس الفقى وفتحى سرور، وإبراهيم سليمان، وعهدى فضلى، وأسامة المراسى ويوسف بطرس غالى.

 ومن المقرر أن يسدد زكريا عزمى مبلغ 36 مليونًا و367 ألف جنيه،  ويسدد  صفوت الشريف ونجلاه ما يقرب من 300 مليون جنيه وحسين سالم مبلغ 4 مليارات و600 مليون دولار ورشيد محمد رشيد وابنته 500 مليون جنيه.

وقال محمود كبيش، عميد كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومحامي رجل الأعمال حسين سالم،  إن موكله عرض التنازل عن  50 % من ثروته  مقابل التصالح مع الدولة، مؤكدًا في تصريحات صحفية له، إن التصالح مع رجال الأعمال قيد التحقيقات من جهاز الكسب غير المشروع سيعود بفوائد مالية كبرى على مصر.