المحكمة الدستورية

أثار حكم المحكمة الدستورية، بعدم دستورية المادة 18 من قانون الإيجارات، بشأن طلب المؤجر إخلاء المكان، حالة من الجدل، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة بخصوص مصير المقار المؤجرة منذ عقود طويلة والتابعة للوزارات والمصالح الحكومية والهيئات والشركات والبنوك والنقابات، والتي لها فروع في الأقاليم، وحتى في وسط القاهرة.

وتعليقًا على الحكم، يقول الدكتور وليد جاب الله، أستاذ التشريعات الاقتصادية في أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إنه لأول مرة يصدر حكم "علاقة إيجارية"، استنادًا إلى المادة 54 من الدستور، مؤكدًا أن الحكم أنشأ مركزًا قانونيًا جديدًا وهو تطبيق قواعد القانون المدني في مجال إنهاء العلاقة الإيجارية للإيجار القديم "أي تحرير العلاقة" في حالة توافر شرطين هما: أن يكون المستأجر شخصًا اعتباريًا، وأن يكون استعمال العين لغير أغراض السكن.

ولفت جاب الله، إلى أن المحكمة للمرة الأولى تنظر إلى معيار "طبيعة المستأجر"، وهل هو شخص طبيعي أم شخص اعتباري، مؤكدًا أن هذا المعيار هو مفتاح حل القضية، وأضاف أن حكم المحكمة في انتظار صدور تشريع من مجلس النواب، خلال مدة زمنية معينة حددتها "الدستورية"، وإذا تأخر البرلمان في إصداره، تقوم المحكمة بتنفيذ الحكم بمعرفتها، متوقعًا فتح الملف خلال دور الانعقاد الرابع.

وتمنى الخبير الاقتصادي، أن يتصدى مجلس النواب للأمر بصورة ترضي الطرفين، في ظل ازدحام المحاكم بالعديد من القضايا، وأشار إلى أن حكم الدستورية بمثابة تكليف للسلطة التشريعية بممارسة دورها في صياغة تشريع مُتكامل يفك اللبس ويؤسس للتطبيق الصحيح لحكم المحكمة الدستورية وفقًا لمنطوقه وديباجته، حيث سبق أن صدر حكم المحكمة الدستورية في القضية رقم 4 لعام 15 ق دستورية في 6/6/1996، والذي بناء عليه صدر القانون رقم 6 لعام 1997 بشأن بعض أحكام إيجار الأماكن المؤجرة لغير غرض السكن.

وصرح الخبير، بأن التعامل مع ملف الإيجار القديم حددته المحكمة الدستورية عام 1996، عندما قالت "إنه لابد من وجود توازن في العلاقة بين المالك والمستأجر حتى لايحل الصراع بينهما"، مشيرًا إلى أن القواعد المنظمة للإيجار القديم تم تغييرها 4 مرات لمصلحة المستأجر.

وشدد على أن ظاهر منطوق الحكم بمثابة إنهاء لعقود الإيجار القديمة التي طرفها المستأجر وهو الدولة أو أحد فروعها، والهيئات، والشركات، وكل مجموعة من الأشخاص تثبت لها الشخصية الاعتبارية بمقتضى نص قانون وبمفهوم المُخالفة فإن الإيجار القديم ينتهي بانتهاء المدة المدونة بالعقد طالما كانت العين مؤجرة لغير غرض السكن ولم يكن المستأجر شخصًا طبيعيًا، مطالبًا بضرورة تخيير أصحاب العقارات المؤجرة لجهات حكومية، أن يأخدوا مقابل مادي مناسب، أو أراض بديلة كتعويض، عن أملاكهم.

 وكانت المحكمة الدستورية العليا، قد قضت برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، السبت، في الدعوى رقم 11 لعام 23 قضائية " دستورية "بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة "18" من القانون رقم 136 لعام 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجـر أن يطلب إخلاء المكـان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد"، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى.

واستندت المحكمة في قضاءها إلى أن حرية التعاقد قاعدة أساسية اقتضتها المادة "54" من الدستور، صونًا للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختـار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائنًا يُحمل على ما لا يرضاه.

وأكدت المحكمة أن حرية التعاقد بهذه المثابة، فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود – المبنية على الإرادة الحرة – فيما بين أطرافها، بيد أن هذه الحرية – التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها – لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها، ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محددًا بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشـر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلـــط بين المنفعة الشخصية التى يجنيها المستأجر من عقد الإيجار – والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير – وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.

وذكرت المحكمة أن «حق المستأجر يجب أن يظل شخصيًا، قاصرًا على استعمال مكان بذاته في غرض الإيجار، خلال المدة المتفق عليها في العقد، فلا يتم مد تلك المدة بدون موافقة المؤجر، أو بالمخالفة لشروط الإيجار»، وقالت "النص المطعـون فيـــه – محددًا نطاقًا على النحـو المتقـدم – إذ أجاز للشخص الاعتباري المستأجر لعين لاستعمالها في غير غرض السكنى، البقاء فيها بعد انتهاء المدة المتفق عليها في العقد، فإنه على هذا النحو – وباعتباره واقعًا في إطار القيود الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية – يكون قد أسقط حق المؤجر – مالك العين في الأعم من الأحوال – في استرداد العين المؤجرة بعد انتهاء مدة إجارتها، حال أن حق المستأجر لازال حقًا شخصيًا مقصورًا على استعمال عين بذاتها في الغرض الذي أُجرت من أجله خلال المدة المتفق عليها في العقد، فلا يتم مد تلك المدة بغير موافقة المؤجر، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرماها معًا، صريحًا كان هذا الشرط أم ضمنيًا".

وقضت المحكمة "ومن ثم، فإن ما تضمنه ذلك النص من امتداد قانوني لمدة عقد إيجار الأماكن المؤجرة لأشخاص اعتبارية، لاستعمالها في غير غرض السكنى، يكون متضمنًا عدوانًا على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحـرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحريــــة الشخصية – في صحيح بنيانها – بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاء يناقض أساسها، وذلك بالمخالفة للمادة "54" من الدستور".