الداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد

 أكّد الداعية الإسلامي، الدكتور عمرو خالد، أن الشهور الثمانية التي سبقت غزوة "بدر" في السنة الثانية من الهجرة كانت مليئة بالتحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم، ليعلّمنا من خلالها فن إدارة الأزمات في الحياة، وكان على رأس تلك التحديات، أمن المدينة، فقد كانت تفتقد إلى الأمان في ذلك الوقت، حيث تواجه تهديدات من أكثر من مصدر، وكان الصحابة ينامون وهم يحتضنون السلاح، ومنعهم من أن يخرج أحدهم ليلًا.

وأضاف في سادس حلقات برنامجه الرمضاني "السيرة حياة"، أن"التحدي الثاني، يتمثل في القبائل المحيطة بالمدينة خشية من أن تتفق مع قريش على مهاجمة المدينة، فينتهي أمر المسلمين وقتها، فبدأ النبي يفكر في طرق لحماية المدينة من هذا الخطر الذي يتهددها من جانب القبائل المحيطة (200كيلو شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا)"، وتابع "توصل النبي إلى فكرة إبداعية غير تقليدية لم يكن يعرفها العرب آنذاك وهي تشكيل "السرايا"، التي تتألف من عدد محدود من الصحابة، يقدر بالعشرات أو المئات، يرسلهم النبي في مهمة خارج المدينة، تتولى تنظيم دوريات حراسة منهم في محيطها".

وقال إن "هذه الفكرة نجحت في تأمين المدينة من أية محاولات للتعدي عليها من قبائل العرب، وفي الوقت ذاته تعلم جيل من الصحابة التدريب على القيادة، وفهم المسلمون جغرافية البيئة المحيطة ومواردها وتضاريسها"، موضحا أن "عدد السرايا كان يتراوح ما بين 30 سرية إلى 114 سرية، يرسلهم النبي في اتجاهات مختلفة، مرة شمالًا، وثانية جنوبًا، وأخرى في الشمال الغربي، كانت تحركاتها أقرب للشكل الدائري مشكلة دوائر واسعة حول المدينة، وكانت بمثابة رسالة ضمنية للقبائل التي تفكر في الإغارة عليها".

وذكر أن "من النتائج الإيجابية لفكرة السرايا، أن النبي عقد معاهدات سلام مع القبائل المحيطة بالمدينة، وأعادت الأمان على الطرق للمسافرين، وكأنه تحقيق لوعد قديم للنبي قبل الهجرة: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"، حيث أصبح المسافرون يسيرون في أمان، مع وجود دوريات من السرايا تؤمن الطرق"، كما "تمخض عن فكرة السرايا توقيع 12 معاهدة أمن وسلام مع قبائل من دون اشتراط دخولها الإسلام. لم يحمل المشاركون في السرايا رايات الحرب، بل الرايات البيضاء.. رمز السلام، لأنها جاءت لمنع الحروب وليس لاستمرارها".

وأشار خالد إلى أنه "بفضل تأمين الطرق، انتشر الأمان، وانتعش سوق المدينة أكثر، ليؤكد حقيقة أن الأمن هو باب التنمية والتقدم"، كما روى أنه "في إحدى السرايا، سرية "نخلة"، وهو مكان بين مكة والطائف، على بُعد حوالي (480) كيلو متر من المدينة، وكان على رأسها عبد الله بن جحش، رأوا قافلة تجارية لقريش، فيها عمرو بن الحضرمي، في آخر يوم من رجب، يعني في الأشهر الحرم، فوجه له اثنان من الصحابة سهمًا فقتلاه، فلما علم النبي بذلك غضب وأحمر وجهه، وقال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام"، واستغلت قريش الأمر في شن حرب إعلامية ضد النبي في الجزيرة العربية بأن "محمد يقتل الناس في الأشهر الحرم".

وصف خالد الأمر بأنه "كان تصرفًا خاطئا والقرآن يقول: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ"، لكن يا قريش إكراهكم للمسلمين " وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ".

وأشار الداعية إلى أن "مواجهة التحدي هنا كانت بالاعتراف بالخطأ والاستعداد لتصحيحه فورًا وهو "دفع الدية" عن الرجل الذي قتل، فاستطاع بذلك أن يخمد فتيل الأزمة، ليعلمنا أن الكبار يعترفون بالأخطاء ويتحملون المسؤولية"، معتبرا أن "التحدي الأصعب كان في وجود المنافقين داخل المدينة، وكانت قريش تريد تحريكهم ضد النبي، فأرسل أمية بن خلف من مكة رسالة إلى عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بالمدينة، قال له فيها "أنت زعيم قومك وقد أويتم محمدًا وأصحابه، فأخرجهم وقاتلهم وإلا جئناكم وقاتلناكم واستأصلناكم"، موضحا أنه على إثر ذلك "تحرك وجمع شخصيات من كفار الأوس والخزرج، ووضع خطة لضرب المسلمين أثناء صلاة الجمعة، علم النبي بتخطيطه، فتوجه بهدوء عجيب إلى بيت ابن سلول وبصحبته أبي بكر وعمر، وكان ذلك ليلة المؤامرة (ليلة الجمعة).

وتابع "فاجأه بالقول بدون مقدمات: "أتقتلون أبناءكم من أجل قريش"، وأعادها عليه "أتقتلون أبناءكم من أجل قريش"، لن يؤذوكم أكثر مما تؤذون أنفسكم بأنفسكم، ثم تركه وانصرف، نجح بمنطقه القوي في وأد الفتنة وإحباط خطة ابن سلول، الذي لم تمنعه كراهيته للنبي من أن يقتنع بكلامه خشية أن يقال عنه إنه السبب في اندلاع حرب أهلية أو قتل أبناء بلده".

وواصل خالد أن "المنافقين كان عددهم 300، وأشدهم خطرًا بن سلول، وكانوا يمثلون أصعب تحد واجه النبي، وكان عمر بن الخطاب يرى أن يقتلهم النبي، وكانت هناك معلومات بين المسلمون عن أن هناك منافقين لكن لا يعرفونهم بالاسم، فقد أخفى النبي أسماءهم إلا عن كاتم سره حذيفة بن اليمان، تحسبًا للمستجدات التي قد تطرأ في المستقبل، وتوثيقًا للمعلومة، لأي سبب بعد وفاته"، في حين فسّر إخفاء أسماء المنافقين بأنه كان "من أجل أن يحمي المجتمع من التخوين، حتى لا ينفجر من داخله، ولئلا ينتشر فكر التكفير، ولأن هناك أشياء تموت بتجاهلها وعدم الحديث عنها، ومن أجل أن يفتح لهم باب التوبة، كما أن لهم حق المواطنة، فالدستور الذي وضعه النبي يأخذ بالظاهر، فكان هؤلاء يتحركون، (بيع وشراء وتجارة)، ويذهبون للمسجد"، ومضى إلى القول "استطاع النبي إدارة الأزمة بإخمادها بعدم نشرها مع مراقبتها، وتحويل ملفات المنافقين إلى معايير بدلًا من الشخصنة، والتعامل معهم وفق الظاهر، وترك باطنهم إلى الله".