توقيت القاهرة المحلي 05:05:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللجوء والدولة ونموذجا إيطاليا وإسبانيا

  مصر اليوم -

اللجوء والدولة ونموذجا إيطاليا وإسبانيا

بقلم-حازم صاغية

629 لاجئاً ولاجئة، أغلبهم من أفريقيا، كانوا مُهدّدين بالغرق في مياه البحر المتوسّط. في عدادهم أطفال ونساء حوامل كثيرون. ثلاثة زوارق أنقذتهم وحملتهم إلى إيطاليا (ومالطا) التي رفضت إدخالهم. إسبانيا قبلتْهم، ووعدت بتأمين عناية صحّيّة مجّانيّة لهم، على أن تدرس أوضاعهم، فرداً فرداً، في وقت لاحق.

إيطاليا وإسبانيا بلدان كاثوليكيّان في الجنوب الأوروبيّ. الاختلاف بينهما بالتالي ليس دينيّاً أو «حضاريّاً». إنّه اختلاف بين نهج منفتح على العالم، متساوق مع العولمة، محترِم لحقوق الإنسان في معزل عن دينه ولونه وجنسه وطبقته، ونهج منغلق، قوميّ وحمائيّ وكاره للغريب والمختلف.

النهج الأوّل تجسّده الحكومة الاشتراكيّة التي تشكّلت قبل أسبوعين في مدريد. الثاني تجسّده الحكومة الشعبويّة التي تشكّلت، قبل أسابيع قليلة، في روما. هذه الأخيرة أنشأها ائتلاف بين حزبي «النجوم» الجنوبيّ و «العصبة» الشماليّ. قادة هذا الائتلاف لا يكتمون إعجابهم بفلاديمير بوتين ودونالد ترامب.

الانقسام هذا يلخّص تناقضات كثيرة يعيشها عالمنا اليوم.

القوميّون والمحلّيّون على أنواعهم لا يُعدمون الحجج: فالعالم ينقسم إلى دول تحدّها حدود، دولٍ تتطلّب ممّن هم ليسوا مواطنيها تأشيرة دخول إليها، فيما اقتصادها وسياستها في العمالة محكومان بمعطيات عدديّة واقتصاديّة محدّدة وملزِمة لصانع القرار. التنافس الانتخابيّ وإرضاء «الشعب» يدفعان في الاتّجاه هذا.

لكنّ التمايز عن الطوبى ليس بالضرورة مناهضةً للطوبى. إنّه كذلك عند القوميّين المحلّيّين وحدهم لأنّهم يرون قطيعة جوهريّة بين الواقع والمثال، ويعملون على تضخيم الجوهريّ فيها. هذا التمايز الواقعيّ قد يكون، في المقابل، تمهيداً لعالم أفضل من غير استعجال وحرق مراحل. وهو بالضرورة مهمومٌ بمصالحة الإنسان، بوصفه ابن وطن ودولة، والإنسان، بوصفه ابن الكون والعالم. مهمومٌ بمصالحة سيادة الوطن وسيادة الإنسانيّة. إنّه لا يزيل الحدود، التي لا تزال تفرضها موجبات عمليّة، لكنّه لا يقدّسها ولا يمجّد الاستبسال في سبيلها. وهو يرحّب بكلّ عولمةٍ، لا في حركة الرساميل فحسب، بل أيضاً في حركة العمل، فضلاً عن الثقافة والأفكار.

ما من شكّ في أنّ رئاسة دونالد ترامب، التي تفصل الأبناء عن أهلهم وتقيم الجدران بين البلدان وتعتمد الحمائيّة والرسوم الضريبيّة، وتنسحب من اتّفاقات البيئة كما من الاتّفاقات التجاريّة، هي اليوم ما يحتلّ موقع الريادة والأستاذيّة في هذه المدرسة.

تفكيك الاتّحاد الأوروبيّ، الذي بدأه بريطانيّو بريكزيت، ضربة موجعة لأوّل صيغة سياسيّة في التاريخ تتجاوز الدولة – الأمّة بإرادة شعوبها. انتخابات النمسا ثمّ انتخابات إيطاليا خطى أخرى على الطريق ذاتها.

مساهمة شطرنا من العالم في هذه المساجلة إمّا ضعيفة الحضور أو ضعيفة المعنى. هذا ليس مردّه فحسب إلى ضعف التقاليد الأمميّة والكونيّة لدينا، بل أيضاً إلى التجريف الحاصل لنفوسنا الفرديّة والجماعيّة على أيدي الولاءات الدينيّة والطائفيّة، الإثنيّة والجهويّة. فإذا صحّ أنّ كلّ تشدّد في الهويّة انخفاض عن سويّة الإنسانيّ، فنحن نضيف إلى ذاك الانخفاض انخفاضاً عن سويّة الهويّة الوطنيّة نفسها. في الغرب، يدور السجال، وهو غالباً سياسيّ، بين القوميّ وما بعد القوميّ. عندنا، هناك انقسامان، واحد بين الوطنيّ، الأضعف بإطلاق، وما قبل الوطنيّ، الأقوى بإطلاق. هذا الانقسام لا يثير سجالاً بسبب فارق القوّة بين طرفيه. الانقسام الآخر، الوازن والجدّيّ، هو بين أنواعٍ من ما قبل الوطنيّ تساوي عدد الجماعات الأهليّة. السجال هنا عنفيّ حكماً.

بالتأكيد، لا يعمل هذا النقص لدينا إلّا في تعزيز أرصدة المناهضين للجوء والهجرة في الغرب الذي يقوّي أسوأ ما فينا فنقوّي أسوأ ما فيه.

نقلا عن الحياه اللندنيه 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللجوء والدولة ونموذجا إيطاليا وإسبانيا اللجوء والدولة ونموذجا إيطاليا وإسبانيا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

مورينيو يرفض وضع توتنهام رهينة لكورونا

GMT 10:44 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

صيحات موضة البوت متناهي الطول من وحي النجمات

GMT 20:44 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

روجيه فيدرر يشارك في بطولة قطر المفتوحة للتنس

GMT 08:49 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

10 قواعد ذهبية ومهمة لغرس الأشجار تعرف عليها

GMT 11:14 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يبحث تخفيف عقوبة محمد الشناوي

GMT 02:48 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

صفات تزيد وتُثير إعجاب الآخرين بك وفق الأبراج

GMT 03:20 2021 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ميكيل أويارزابال يتعادل للباسكي ضد برشلونة

GMT 00:51 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

نادي يوفنتوس الإيطالي يعلن إصابة أليكس ساندرو بفيروس كورونا

GMT 09:15 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

مي الخريستي تتعرض لإطلاق نار على سيارتها

GMT 02:12 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

"يويفا" يرفع حظر إقامة المباريات في أرمينيا وأذربيغان

GMT 01:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميلان يحقق إنجاز أوروبي بعد رباعية سيلتك في "اليوروباليغ"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon