صناعة الغزل والنسيج

ظلت "المحلة الكبرى" على مدى عقود طويلة "قلعة لصناعة الغزل والنسيج"، حتى أصبح كما يقولون في كل شارع مصنع غزل أو ملابس أو صباغة، أو تطريز، أو محلج قطن. 

واحتلت "المحلة" من الشهرة مكانًة عالمية، كما كان يُطلق على القطن المصري "الذهب الأبيض"، ومرت السنون، وأصيبت هذه الصناعة في معقلها بالعديد من الأمراض الاقتصادية والإدارية، حتى ساء حالها، وتعثرت، فتوقف العديد من المصانع عن العمل، ودفع العمال ثمنًا لهذا التوقف وتم بناء أبراج سكنية في أماكن بعض المصانع، أو كافيتيريات مكان البعض الآخر، في حين لا يزال بعض هذه المصانع يصارع المشكلات العديدة التي تواجه هذه الصناعة كثيفة العمالة، والتي هي في أمس الحاجة إلى تدخل عاجل من الدولة المصرية، لإسعافها وإفاقتها مما أصاب هذه القلعة الصناعية من تصدع في جدرانها، قبل أن تنهار.

و"الأهرام" فتحت هذا الملف المهم مع المختصين في صناعة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى.. حيث يؤكد المهندس أحمد أبو عمو، رئيس رابطة أصحاب مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، إن إجمالي المصانع الخاصة المرخصة والمسجلة في مجلس مدينة المحلة هو 1190 مصنعًا، كانت تستوعب أكثر من 300 ألف عامل، ونتيجة للمشكلات العديدة التي وُضعت في طريق هذا القطاع (الغزل والنسيج) الذي يستوعب 23% من الأيدي العاملة على مستوى الجمهورية، أغلق الكثير من أصحاب هذه المصانع مصانعهم، وباعوا الماكينات "خردة"، وتشردت العمالة، وقام بعضهم ببناء أبراج سكنية أو تحويل المصنع إلى "كافيه" أو "كافيتيريا" تدر عليه ربحًا كبيرًا، ومن هذه المصانع التي أغلِقت مصانع كانت تقوم بالتصدير للخارج، وكان يعمل بالمصنع الواحد منها ما بين 500 إلى 1200 عامل.

وأضاف أبو عمو أن بعض أصحاب مصانع الغزل والنسيج والملابس والمفروشات دخلوا السجون؛ بسبب المديونيات التي كانت عليهم للبنوك، بسبب تعويم الجنيه المصري، وارتفاع قيمة الدولار. ويقول: هل تصدق أننا نحاسب على استهلاك الطاقة (الغاز) بالدولار؟!! ويؤكد أن المصانع التي لا تزال تعمل حتى الآن هي في حقيقة الأمر في النزع الأخير، لأنها أصبحت تعمل وردية واحدة بعد أن كانت تعمل ثلاث ورديات! ويُشخّص رئيس رابطة أصحاب مصانع الغزل والنسيج بالمحلة، أسباب ما حدث من تدهور وتعثر في هذه الصناعة المهمة، فيقول: الظروف الاقتصادية وتعويم الجنيه، ورفع قيمة فائدة الإيداع بالبنوك إلى 20%، وارتفاع أسعار الطاقة، والتأمينات الاجتماعية، والضريبة العقارية، وانخفاض القوة الشرائية، وندرة الأيدي العاملة، التي تركت المصانع وعملت على التكاتك، والتهريب، واستيراد المواد الخام بالدولار، وانخفاض نسبة الربح إلى أدنى مستوياتها.

و كل هذه الأسباب أدت إلى توقف بعض المصانع، وغلقها، وتعثر البعض الآخر.. محذرًا من أنه إذا لم تأخذ الدولة بيد هذه الصناعة، لتعود مرة أخرى، فإنها ستندثر، في قلب "قلعة الغزل والنسيج" التي كانت يومًا ما، بل سنين عديدة، ذات سمعة عالمية، مما يؤدى إلى مضاعفة أعداد العاطلين، وزيادة نسبة البلطجة، وانتشار الباعة الجائلين، وتدهور الحالة الاجتماعية، مما سيؤثر حتما على الأمن القومي للبلاد. ويختم قائلا: "إن تشغيل عامل واحد بالقطاع الخاص، يوفر على الدولة 200 ألف جنيه سنويُّا"، ويحذر من عدم الاعتماد على المادة الخام المحلية؛ لأنه "لا توجد صناعة ناجحة تقوم على استيراد المواد الخام اللازمة لها".

وأضاف المهندس إبراهيم الشوبكي، نائب رئيس رابطة أصحاب مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، أنه إذا كانت الدولة جادة في إصلاح هذا القطاع المهم، فعليها أن تهتم بالدرجة الأولى بزراعة القطن والفلاح المصري، وأن تعمل على إعادة العمل بنظام الدورة الزراعية، حتى تتوافر للمصانع المادة الخام الرئيسية وهي القطن، مشيرًا إلى أن مصر كانت تزرع مليونيْ فدان قطن في التسعينيات، تعطينا 20 مليون قنطار، وتقلصت هذه المساحة إلى الحد الذى جعلنا نستورد الأقطان، ولم يعد القطن المصري "الذهب الأبيض"، مما جعلنا نخسر أهم ما كان يميزنا.

 ويطالب الشوبكي بضرورة تشجيع الفلاحين على زراعة القطن، وشرائه منهم بأسعار عادلة، مشيرًا إلى أن القطن هو الذى يعطي هذه الصناعة قيمة مضافة، فتعمل المحالج والمصانع وتخرج لنا الأقمشة والمفروشات والملابس، مما يضاعف من الدخل القومي للدولة ويرفع من مستوى دخل العامل، وبالتالي يرتفع مستوى المعيشة، ونستطيع مواجهة غول الغلاء.

ويؤكد الشوبكي أنه لا بد من إحياء المصانع المتعثرة والمتوقفة عن العمل قبل البدء في إنشاء مصانع جديدة في هذا القطاع كثيف العمالة، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص فيه يستوعب نحو 14 مليون عامل، في حين أن الشركات والمصانع الحكومية تستوعب نحو 55 ألف عامل فقط. ونطالب الدولة والحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي بضرورة الاهتمام بقطاع الغزل والنسيج من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن في مواجهة عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق.