تتناغم قصص القاصة فاتن الجابري في مجموعتها "سرير البنفسج" مع واقع المنفى الاضطراري، الذي تعيشه القاصة بعيدا عن العراق في ألمانيا، فهي تقع بين ضياعين الأول يتلخص بكونها لم تخلص في سردها القصصي لهذا الوطن الجديد الذي اختارته، كما أنها لم تطمئن لناسه أو تقبل بسلوكياتهم فيه، فأبطال قصصها دائمو الاصطدام بقوانينه، والضياع بين رغباتهم وما يمليه عليهم واقعهم الجديد من ضوابط.كما أن الكاتبة لم تقطع خيوط الأمل بعد من العودة إلى الوطن الأصلي، وبين هذين الوجعين وجع المنفى ورفضه ووجع الأمل الذي لا يتحقق بالعودة إليه يتقلب ابطال قصصها الذين يعيشون في ألمانيا.لقد برعت القاصة في الكثير من قصص المجموعة بكتابة قصة مبنية على حدث فريد لم تتناوله القصص العراقية من قبل إلا من قبل قليلات من القاصات العراقيات اللاتي لهن تجربة طويلة في كتابة القصة القصيرة، كابتسام عبدالله، ميسلون هادي، أنعام كجه جي، سميرة المانع، عالية ممدوح، عالية طالب، هدية حسين، صبيحة شبر، وغيرهن، وقد إبدعت من خلال حدث قصة مؤثر لنقل خطاب يوصل رسالة، الغاية منها الحلول في ذهن القارىء والتأثير فيه ليتخذ قرارا ما، ذلك ما نجده في الكثير من قصص مجموعتها، " سرير البنفسج" ابتداء من حدث الطفل الذي يسقط من الطابق التاسع لعئلة عراقية تعيش لاجئة في ألمانيا التي جاءت في قصة "الموت بعيدا" وانتهاء بقصة "جليد ساخن".والسبب فيما حدث للطفل في القصة الأولى، لا يعدو عن حادث مؤسف بسبب (الاختلاف الحضاري الذي يجده العراقي في أوروبا) فبطلتها كما اهل العراق يرغبون بالعيش في بيوت تلتصق بالأرض، ولا ترتفع عنها كثيرا، كما أن العيش في شقق مرتفعة كثيرا عن الارض حالة غير مريحة لمعظمهم، لكنها مفروضة عليهم حين يغادرون وطنهم إلى بلد آخر يفرض في العادة ما اعتاده أهله على اللاجئين إليه، كما أن الفهم المختلف لنوع الهدية التي تقدم للطفل تسبب المأساة، فالهدية سيارة تتحرك بالريموت كنترول، لا يستطيع الطفل العراقي متابعة اللعب بها بمنطق الطفل الغربي بل بمنطق العائلة العراقية، التي تركب المخاطر للبحث عما فقدته من أمان وسعادة، وبهذا المنطق يلعب الطفل بسيارته الصغيرة على حافة نافذة الشقة، التي تقع في الطابق التاسع، والمعالجة القصصية في هذه القصة واضحة، ان البحث عن الآمان في أقيانوس حضاري مختلف لا يورث إلا الوقوع بما تم الهروب منه. ونجد في قصة " جليد ساخن" رسالة أخرى تنقلها لنا القاصة، والتي تبدأ ببداية دالة عن ثلج ألمانيا وشتائها الطويل، واختلاف طقسها عن المزاج العراقي من خلال شاب عراقي يقول عن علاقته بألمانيا التي تقوم على محكي عنه فتاته "جيسكا" الإلمانية، التي عشقته، وأذاقته بسبب اختلاف القيم الاجتماعية الكثير من العذابات، التي يسردها لنا، فتتحول قصص شهرزاد في ألف ليلة وليلة إلى قصص ما يعانيه شهريار في ظل شهرزاد الإلمانية، ويحدثنا البطل عن شهرزاده الشهريارية قائلا: "أنا وجيسكا يغمرنا دفء آخر حد التشظي في عتمة اغترابي بين أحضانها، أرفس أياما ماضية مثقلة بالأوجاع أتلذذ باللحظة الآتية كافرا بالقادم الضبابي .. جنونها.. فتنتها.. طراوة جسدها الأبيض، الذي لوحته أشعة التسمير فوق البنفسجية". ثم يقول عن علاقتها السادية به "أتسلل خارجا من مخدعها .. تتبعني سبابا وصفعا تلك المعتوهة جيسكا أستعبدتني منذ تعرفت عليها قبل ستة شهور في موقف الحافلة ذات صباح".العلاقة بين الاثنين لم ولن تصبح متكافئة أبدا، هي علاقة استعباد، وذلك ما أرادت القاصة من أن توصله لنا عبر الحدث، رسالة العبودية في الانسلاخ من مجتمع شرقي للولوج إلى مجتمع غربي، وتصير الرسالة أكثر دراماتيكية في قصة أخرى، حين يرفض الأستئناف الذي تقدمه بطلة قصة "إبعاد قسري" إلى الدائرة الاتحادية للهجرة، واللجوء ملتمسة النظر في إعادة لجوئها، لكن تلك الرسالة حسمت كل شيء رغم تفاؤل محاميها الذي تسلم أتعابه مقدما!وترسم لنا القاصة مصيرا مؤلما حدث امامها لبوسني لاجىء له المشكلة ذاتها مع (دائرة الهجرة) فيرحل من تلك البلاد بمنتهى القسوة، ومن خلال تخديره لمنع مقاومته للترحيل، ليوضع بعد ذلك في الطائرة التي ستقله إلى وطنه الأصلي وهو فاقد الوعي. وفي هذه القصة كما في قصص أخرى كـ "ذاكرة الجدران" التي تحكي قصة البطلة ذاتها، من خلال مصير عجوز جارة لها منفية أيضا، ومقعدة وتعاني من الربو تموت وحيدة، مختنقة من دون أن يساعدها أحد في لحظاتها الأخيرة. قسوة مفرطة نجدها فيما يعانيه اللاجئون خارج أوطانهم، كما ان مصير بطل قصة "نساء الانتظار" الذي يهرب من العراق خوفا من أن يغتال شبابه بإحدى السيارات المفخخة باحثا عن دولة لجوء تحتضنه، فتنقطع رسائله عن الأهل والخطيبة التي ارتبطت به، وقد وضح في آخر ما كتبه لهم من الرسائل التي وردتهم منه، أن شروط اللاجىء المذكورة في لوائح الدول التي مر بها خلال بحثه عن الوطن البديل لا تنطبق عليه!وكذلك ما نجده في قصة "لكل قبر زهرة " التي تحكي قصة عراقي عمل حارسا ومنفا في إحدى المقابر الألمانية مقابل يورو واحد عن كل ساعة عمل، والذي طرد من عمله بعد شهور لإتهامه بسرقة باقات الورود التي يضعها الزائرون عند قبور أحبابهم، ليعيد بيعها على زائرين جدد بمقابل مالي أقل، ولكن تطلعنا الكاتبة لسبب آخر جعل هذا العراقي يسرق باقات الزهور، أوصلته لنا من خلال منولوج طويل نقلته لنا عما يدور داخله، من أفكار وعواطف، فنعرف السر، في أنه كان يسرق باقات الزهور ليعيد توزيعها زهرة زهرة بين القبور المهجورة التي لا يزورها أحد، والقبور المهجورة هي قبور من لا أهل لهم، ولا أحباب، وأغلب هؤلاء من اللاجئين والغرباء، والمغزى العميق في رسالة القاصة لقارئها عميق جدا وواضح. لقد كتبت القاصة في متنها القصصي قصصا تناقش الوضع العراقي الحالي وترسل لنا من خلال تلك القصص رسائل تقول فيها إن المتن القصصي، الذي اعتمدت فيه على بنية وحدث قصصي، حدث في العراق هو في الحقيقة المبنى الأساس لقصص العراقيين في ألمانيا، الذي بنت عليه الأحداث في قصص مجموعتها، وقد تطرقت في القصص عن واقع العراقيين، وأسباب هجرتهم إلى المانيا: الفقر المدقع الذي يعيشه الكثير من العراقيين بسبب الحروب السابقة والفساد الإداري والمالي بعد العام 2003 والحالة الأمنية، كما في قصة الطفل جامع القمامة على أطراف بغداد الذي يموت بسبب جثة تم تلغيمها من قبل الأرهابيين الذين كانوا يعتقدون ان الشرطة ستأتي للكشف عن الجثة المجهولة، فتنفجر العبوة الناسفة بأفرادها لكن أحد الأطفال من جامعي المخلفات في القمامة لإعادة بيعها، فتنفجر بوجهه هذه الجثة الملغمة كما جاء في حدث قصة "هذيان الاسئلة"، واختلال الامن في البلاد كما في قصة "الاختطاف" وضياع خصوصية واحترام الفرد كما في قصة اعتداء الوزير على موظفته في قصة "السيد الوزير"، والترحيل القسري للناس كما حدث في الثمانينيات للعراقيين من أصول ايرانية كما في حدث قصة "امرأة الريح " والقاصة حاولت أدانة العهود الدكتاتورية التي مر بها العراق. كما أنها طرحت حالات الانفلات الأمني التي حصلت في العراق بعد العام 2003 بسبب الاحتلال، وما أعقبه من حل شامل لمؤسسات الدولة العراقية المتخصصة بحفظ الأمن في الشارع والجيش، وإطلاق النظام السابق للصوص والمجرمين قبل الاحتلال بفترة قصيرة. لقد اتسمت المجموعة القصصية الأولى للقاصة "فاتن الجابري" الصادرة عن دار نشر "كلمة" بالقاهرة 2010، بفهم عميق لتقنيات القصة القصيرة الحديثة، كما انها مزجت بين الحدث المؤثر الذي يرتبط بتاريخ العراق وبنياته الاجتماعية وبين الفرد العراقي الذي اكتوى بالحروب والدكتاتوريات وضياع ثروات البلاد، والمجموعة حكت لنا قصص العراقيين في ألمانيا، وآمالهم بالرغم من الصعوبات، التي تواجههم لتحقيق آمل العودة للوطن في وقت قريب.