هذان شاعران غير معروفين لنا على الرغم من أنهما كانا من أعلام الأدب في مصر في القرن السادس الهجري، وهما: الرشيد (أحمد بن علي) والمهذَّب (الحسن بن علي) وقد قامت الباحثة الدكتورة سعيدة محمد رمضان الأستاذ بكلية الآداب – جامعة طنطا، برحلة علمية طويلة مع شعرهما، استغرقت فترة كبيرة من الزمن، كانت لا تكف فيها عن مراجعة فهارس المكتبات العربية بحثا عن ديواني الرشيد والمهذَّب أو شعر واحد منهما، لكن هذه المراجعة لم تفض إلى شيء. تقول الباحثة في مقدمتها: "تفحصنا مئات المؤلفات المختلفة والمجاميع المتفرقة وكتب الأدب والتاريخ والموسوعات، وكثيرا ما كان التنقيب في عشرات الأجزاء يفضي إلى لا شيء." وتضيف "آخر ما راجعناه قبيل الطبع أجزاء كثيرة من (مسالك الأبصار) لابن فضل الله العمري (ميكروم فيلم في معهد المخطوطات بالقاهرة مصور عن أصل محفوظ في خزانة أحمد الثالث استانبول) ولم نجد فيه ضالتنا". وعلى الرغم من ذلك استطاعت الدكتورة سعيدة رمضان أن تجمع ما استطاعت جمعه، وأصدرت ما عثرت عليه من شعر الرشيد والمهذب في كتاب حمل الرقم 21 في سلسلة "من تراثنا الشعري" التي يصدرها مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية التابع لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، تلك السلسلة التي يقول عنها الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين إنها "تهدف إلى إتاحة الفرصة للأجيال الجديدة من العرب للاطلاع على جهود أسلافهم .. وقد حرصنا على أن تكون المخطوطات مما لم يسبق نشره". جاء الكتاب في 144 صفحة من القطع المتوسط، ولا يحتوي إلا على النصوص الشعرية فقط. يقول الرشيد (أحمد بن علي) في إحدى مقطوعاته: ولما تناءتْ أرضُنا وديارُنا ** وخانَ زمانٌ ناقضُ العهدِ غدَّارُ كفانا معالي كلَّ أمرٍ أهمَّنا ** وحكَّمنا فيما نحبُّ ونختارُ وأنْزَلَنا من ربعهِ الرحبِ حسنُه ** يفيضُ بها من رحْب كفيه أنهارُ لنِعمَ الذُّرَا يلقى به الجارُ رحبَه ** إذا ما نبتْ بالجارِ عن أهلهِ الدارُ فظِلْنا كأنَّا نازلون بأهلنا ** ولم تنأَ أوطانٌ علينا وأوطارُ ويقول المهذَّب (الحسن بن علي) في شمعة: ومُصْفَرَّةٍ لا عن هوًى غيرَ أنَّها ** تحوزُ صفاتِ المستهامِ المعذَّبِ شجونًا وسُقمًا واصطبارًا وأدمعًا ** وخَفقًا وتسهيدًا وفَرطَ تلهُّبِ إذا جَمَّشَتْها الريحُ كانت كمعصمٍ ** يَردُّ سلامًا بالبنانِ المُخَضَّبِ لقد اكتفت الباحثة بإثبات نصوص الشاعرين والتعليق على بعض الأبيات، غير أنها لم تحدثنا عن حياة الشاعرين وعلاقتهما بشعراء عصرهما واتجاهاتهما الفنية، وغير ذلك من مباحث أدبية تغني القارئ عن الرجوع إلى مظان ومصادر أخرى للتعرف على الشاعرين، وربما تفعل د. سعيد رمضان ذلك في اصدار قادم.