صدر عن سلسلة عالم المعرفة - التي يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب في الكويت- كتاب جديد بعنوان "السعادة.. موجز تاريخي"، تأليف نيكولاس وايت، وترجمة الدكتور سعيد توفيق، الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة. يتتبع هذا الكتاب معنى السعادة في كتابات الفلاسفة الذين انشغلوا بها منذ عصر الفلاسفة القدماء الذين يركز عليهم المؤلف بشكل واضح ، وهو يبرز بوضوح مدى ما هنالك من تضارب في المواقف والآراء حول الأهداف والرغبات التي تتعلق بالسعادة: هل السعادة هي اللذة؟ أم حالة من الإنسجام بين الأهداف والرغبات؟ هل هي تكمن في فضيلة التأمل العقلي التي هي أكمل فضائل النفس الإنسانية (كما يقول أرسطو)؟ ام أنها تكمن في حالة السكينة الروحية (كما ذهب الرواقيون)؟ أم هي شئ غير ذلك كله؟ إن المؤلف يتتبع هذه النظريات وغيرها بإيجاز بدءا من أفلاطون وأرسطو والأبيقوريين والرواقيين، حتى الفلاسفة النفعيين في العصر الحديث، بل إنه يعرج على نيتشه الذي يقف على مشارف الفكر المعاصر، وهو يشير بشكل عابر إلى من جاء بعده من المعاصرين. ولا شك في أن سبب ذلك أن الكتاب يعنى في المقام الأول بنظريات السعادة كما تجلت في عصرها الذهبي لدى القدماء والمحدثين ، وبهذا الاعتبار ينبغي عدم التعامل مع هذا الكتاب باعتباره كتابا جامعا لمختلف المواقف الفلسفية من معنى السعادة حتى في الأزمنة التى يركز عليها ، كما لا يمكن إغفال ما فيه من قيمة حينما يثير لدينا الشك في اقتناعاتنا التقليدية التي نؤمن بها في ما يتعلق بمفهوم السعادة ، ولا شك في أن هذا التشكيك في مواقفنا من السعادة له قدر كبير من الأهمية، لأنه يسهم بذلك في تعليمنا التخلص من مواقفنا الدوغماطيقية (الإيقانية) الراسخة، وتلك إحدى المهمات الكبرى للتفكير الفلسفي. وينتهي المؤلف من خلال بحثه الموجز هذا في التاريخ الفلسفي لمعنى السعادة، إلى أنه لا وجود لمعنى عام يمكن أن نسترشد به في كل موقف، وأننا يمكن أن نحيا السعادة ونتصرف بما يكفل لنا تحقيقها من دون أن نكون موجهين بمفهوم عام ينطبق على كل حالة أو موقف. وبهذا الاعتبار فإن هذا الكتاب فيه منفعة كبيرة للمشتغلين بالبحث عن معنى السعادة من الدارسين للفلسفة وغيرهم من عموم الطامحين إلى المعرفة.