نشرت جامعة سيدة اللويزة اللبنانية أخيراً موسوعة تاريخية ضخمة تحت عنوان «الانتشار الماروني في العالم، واقع ومرتجى 1840-2010 أعدها جوزف أنطون لبكي. الكتاب غني بالوثائق الأصلية والمصادر والمراجع العلمية، ويقدم نموذجاً بالغ الأهمية حول هذا الانتشار، وقد حلل جغرافية لبنان وتاريخه ونظامه السياسي والاقتصادي. وقدم لمحة شـمولية عن تاريخ الموارنة مع ذكر مؤسسهم ونسـبتهم ومعتقدهم وكنيستهم وهويتهم وبطريركيتهم وأساقفتهم ولبنانيتهم. وأسهب في شرح أسباب الهجرة اللبنانية المارونية من لبنان في الفترة ما بين 1840 و2010. وتوسع كثيراً في تقديم معلومات تفصيلية عن الانتشار الماروني في القارتين الأميركية والأوروبية فشغلتا المساحة الأكبر من الكتاب. بالإضافة إلى معلومات عامة عن الانتشار الماروني في استراليا ونيوزيلندا، وقبرص، ودول الخليج العربي النفطية، وبعض الدول الأفريقية. وعالج أبرز سمات الانتشار الماروني، ومضاره، وكيفية الحد من هجرة اللبنانيين، كما عالج بعض مشكلاته، المدنية والدينية منها، مع اقتراح حلول علمية لها، واستشراف مستقبل هذا الانتشار ودور البطريركية المارونية في الحد من مضاره الكبيرة التي وصفت في الآونة الأخيرة بالمقلقة جداً. وتضمنت الموسوعة جملة مراحل تحدثت عن الانتشار الماروني في العالم،بحيث ربط المؤلف بداية الهجرة المارونية من جبل لبنان مع بداية مرحلة عهد الفتن في الفترة ما بين 1840 و1860. وقد شهدت نزاعات دموية بين الموارنة والدروز، وبين فلاحي الموارنة ومشايخهم من آل الخازن. وجرت تلك الصدامات في إطار مخطط أوروبي استعماري لتفكيك السلطنة العثمانية وتقسيم ولاياتها. فشاركت دول أوروبية كبرى آنذاك، خصوصاً فرنسا وبريطانيا، في تلك النزاعات، وقدمت الدعم العسكري والمالي لضمان استمراريتها طوال عقدين من الزمن. وما زالت آثار تلك النزاعات الدموية ماثلة في تاريخ لبنان المعاصر حيث يستدرج بعض الزعماء اللبنانيين، من مدنيين ودينيين، تدخلات خارجية لحماية مصالحهم الشخصية والطائفية على حساب أمن لبنان واللبنانيين. وما زالت الفتن الطائفية والمذهبية تقود إلى هجرة طوعية أو تهجير قسري لأعداد كبيرة من اللبنانيين. وتحدث عن مشكلات الانتشار الماروني في العالم مشيراً الى انها كثيرة ومتنوعة، أبرزها: الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية، والحفاظ على خصوصية الهوية اللبنانية والجذور العائلية. وهناك شعور سلبي لدى المهاجر الماروني ناجم عن عدم اهتمام الدولة اللبنانية به، وعن قلقه الدائم على مصير عائلته في لبنان، وعجزه عن الحفاظ على الروابط العائلية والعادات والتقاليد اللبنانية الموروثة في بلاد الانتشار. بالإضافة إلى مشكلات الارتباط الراعوي بالكنيسة المارونية الأم في لبنان ممثلة بالبطريركية المارونية التي تحرص على خصوصية الطقس الكنسي الماروني. ولدى المهاجر أيضاً مشكلات عدة في مجال التواصل مع دولة لبنانية متعددة الطوائف، وشهدت تبدلات كبيرة على مستوى القرار السياسي. وقد حرص الباحث بحكمة ودراية على إبراز خصوصية البنية اللبنانية بمقدار حرصه على إبراز أهمية الانتشار الماروني في الخارج وكيفية الاستفادة منه لبنانياً. وطالب بضرورة الحد من الهجرة المارونية التي ارتفعت إلى نسبة عالية جداً منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان، فغيبت أعداداً كبيرة من الموارنة ومن باقي الطوائف اللبنانية، وشكلت خسارة سكانية واقتصادية للوطن الأم. وهي تتطلب حلولاً جذرية للحد من الهجرة المارونية إلى الخارج التي ساهمت في تراجع الدور الماروني سكانياً وسياسياً واقـــتصادياً، وداخل المـؤسسات الرسمية والخاصة.