صدرت رواية "هكذا خلقت" للكاتب الراحل محمد حسين هيكل، في سلسلة تبسيط الآداب الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، من إعداد مديحة أبو زيد من القطع المتوسط. هذه الرواية نشرها "هيكل" بعد رواية "زينب" بعد أربعة عقود منذ أن قفزت مصر أثناء هذه الفترة قفزة هائلة على طريق النهضة، وبخاصة في جانب حرية المرأة، وهي القاعدة التي بني عليها هيكل روايته، وتحرير المرأة لا يقف عند حد الحب والموازنة بين تقاليد تأفل وأخرى تولد بين فتاة المدينة وبين المجتمع التقليدي ذو العلاقات الكلاسيكية والمجتمع الجديد ذو العلاقات الحديثة، وإنما أصاب القاعدة التي تبدت في الرواية الأولى فانتقلت من تحرير المرأة في مقولة بسيطة، وارتفعت إلى مدارج عليا روحية وعاطفية، وامتدت إلى أنماط من العلاقات الإنسانية، بدأ المجتمع المصري يعرفها. وكما رأى الدكتور طه حسين في رواية "هكذا خلقت"، كان المأزق في رواية "زينب" قريبًا غير معقد ولا مركب، مدارة تحرير المرأة فصار في رواية "هكذا خلقت" ذات طوابع إنسانية تنهض على معضلة قيمة القيم وهي الحرية، وعلى معضلة الثنائية الأخلاقية وهي جدلية الخير والشر. وقال الأديب الراحل طه حسين - حينها - إن الدكتور هيكل في هذه الرواية لايتحدث إلى القلب والشعور وحدهما، بل يتحدث إلى ملكات الإنسان كلها ويتحدث إلى الضمير حين يقيس أعمال الناس بما فيها من خير وشر، فالقاعدة التي امتدت واتسعت في "هكذا خلقت" إنما نضجت حلقاتها عند الدكتور هيكل لسببين مباشرين وثالث غير مباشر. السببان المباشران يتصلات اتصالا حميميًا بتطور المجتمع المصري الحديث، بداية من كتاب رفاعة الطهطاوي المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين، مرورًا بكتاب قاسم أمين عن المرأة الجديدة وتحرير المرأة، وانتهاء بمئات المشاركات لمفكرين ومبدعين مرموقين، وأما ثانيهما فمداره الحب وأفئدة الكتاب والشعراء والفنانين إبان توهج الحركة الرومانسية، ومن المعلوم أن الدكتور هيكل نشط فكريًا وإبداعيًا في مناخ صعود الرومانسية. واما السبب الثالث غير المباشر - كما يقول طه حسين - فمداره تلك الأوراق الإنسانية الرفيعة، التي ملكت على الدكتور هيكل نفسه، ثم وجدت تحققهاالجوهري في إبداعه الروائي.