بيت الشعر

أقام بيت الشعر في مدينة الأقصر، مساء أمس الأربعاء، أمسية أدبية عن مسيرة الشعر الفكاهي في مصر، استضاف فيها الشاعر الدكتور مصطفى رجب، وذلك في ختام فعاليات بيت شعر الأقصر قبل الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وقام بتقديم الأمسية الشاعر عبيد عباس، حيث قام بإلقاء الضوء على نشأة الشاعر ومسيرته الإبداعية موضحا أنه ولد عام 1956 في سوهاج، وحاصل على ليسانس الآداب والتربية في اللغة العربية من كلية التربية بأسيوط 1978, والدكتوراه في أصول التربية 1985, وماجستير الآداب 1991, ودكتوراه الآداب 1995، وأنه عمل معيدًا, فمدرسًا مساعدا, فمدرسًا, فأستاذًا مساعدًا, فأستاذًا بكلية التربية بسوهاج، وشغل وظيفة وكيل لكلية التربية بسوهاج, وعميد للمعهد العالي للدراسات الإسلامية بسلطنة عمان ولكلية التربية بسوهاج، ومن دواوينه الشعرية: الصيد في الماء الرائق 1986 - الشروحات 1991 - اعتراف جديد لابن أبي ربيعة 1996 - ديوان الحلمنتيشي 1998.
وبدأ الشاعر مصطفى رجب، بالحديث عن الشخصية المصرية وقضايا التربية من خلال نمط من الشعر الفكاهي المصري هو الشعر الحلمنتيشي الذي جنت عليه هذه التسمية الهازلة فلم تنشرح له صدور الدارسين ولَم يحظ كثيرا بعناية مؤرخي الأدب على الرغم مما يموج به من مضامين هادفة مقدمة في قوالب ساخرة.
كما أوضح رجب، عن أن هذا اللون من الشعر يتمتع بالقبول الجماهيري مما يحقق له صفة التأثير التي يفتقدها معظم الأدب الفصيح المسمى في مناهج البحث الأدبية بالأدب الرسمي مؤكدا على أنه من هذه الزاوية زاوية التأثير يجب إعادة النظر في هذا التراث وغربلته علميا.
ثم تحدث رجب، عن طبيعة الشخصية المصرية بثرائها الثقافي والحضاري وبمعاناتها المتجددة والتي لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات التربوية وبخاصة بعد أن أصبحت عمليات ما يسمى بتطوير التعليم بمعزل تام عن الإنسان المصري الذي هو جوهر العملية التربوية.
ثم انتقل الشاعر مصطفى رجب للحديث عن بداية فن الفكاهة المصرية والذي بدأ يتبلور في العصرين الفاطمي والأيوبي في اتخاذه مظهرين : الأول التجلي في صورة مقطوعات شعرية، والثاني إضفاء الطابع الفكاهي على كثير من أغراض الشعر، وأحيانا كان الشاعر يعمد إلى القصائد القديمة المعروفة بين الناس فيمسخها ويغير ألفاظها حتى تظهر القصيدة القديمة في مظهر جديد فكاهي مستشهدا بقول أبو الرقعمق وهو من مُجَّان العصر العباسي يصف خفة عقله ويتمنى لو كانت تلك الخفة في ساقيه
 
لو برجلي ما برأسي لم أبت إلا بنجد
خفة ليست لغيري. لا أراني الله فقدي
وقول أبو الظاهر إسماعيل المعروف بابن مكنسة
أنا الذي حدثكم. عنه أبو الشمقمق
وقال عني إنني. كنت نديم المتقي
وكنت كنت كنت كنت من رماة البندق
 
وفِي حديثه عن مسيرة الشعر الفكاهي في مصر أرجع الدكتور مصطفى رجب العوامل التي صبغت طباع المصريين بالفكاهة إلى البيئة المصرية بطبيعتها الجغرافية وأحداثها التاريخية المتقلبة، ثم تحدث عن مفهوم الشعر الحلمنتيشي وسماته الفنية قائلا أن الشعر الحلمنتيشي ازدهر خلال النصف الأول من هذا القرن ولا خلاف بين الذين كتبوا عن هذا الفن على أن هذه التسمية من وضع الشاعر حسين شفيق المصري وهو اسم على غير قياس عربي يجمع بين الفصحى والعامية في لفظ واحد وهو ما يدل على مضمونه وهو لون من الشعر الهادف يعتمد على المزج بين كلمات الفصحى والعامية مع المحافظة على الوزن والقافية بشكلها التقليدي ومن سماته معارضة القصائد المشهورة والبدء بمقطع القصيدة المشهور ثم التخلص إلى الغرض الجديد في تلقائية وعفوية والابتعاد عن الألفاظ المبتذلة واستعمال الكلمة العامية معربة كم لو كانت فصحى والتوسع في استخدام الضرورات الشعرية.
كما تحدث رجب، عن شخصية المرأة المصرية في الشعر الحلمنتيشي، موضحا أنها دائما موضع اهتمام الباحثين والدارسين في محالات العلوم الاجتماعية لما تتميز عن سائر العربيات من بيئة طبيعية متفردة وحضارة عريقة وقد صور المثل الشعبي المرأة المصرية بصور مختلفة لم يستطع الأدب الفصيح أن يستوعبها جميعا.
ثم أنشد الشاعر مصطفى رجب من دواويينه وقصائده المتنوعة في الشعر الساخر منها قصيدته الرائعة :
 
ﻗﺎﻟﺖ ﻭﻗﺪ ﺑﺼَّﺖ ﻋﻠﻲّ : ﻋﻮﺍﻓﻲ !
ﻭﺗﺪﻟﻌﺖ ﻓﻲ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﻔﺎﻑِ
ﻭﺗﺤﺎﻳﻠﺖ ﻭﺗﺨﺎﻳﻠﺖ ﻭﺗﻤﺎﻳﻠﺖ
ﺣﺘﻲ ﺳَﺒَﺖ ﻋﻘﻠﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺳُﻼﻑ
ﻗﺎﻟﺖ : ﺃﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯﺓ ﻳﺎ ﻓﺘﻲ؟
ﺃﻡ ﺃﻧﺖ ﺟِﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺍﻷﺭﻳﺎﻑ ؟
ﺇﻧﻲ ﺃﺭﺍﻙ ﻣُﻬﻨﺪﻣﺎً ﻭﻣﺆﺩﺑـــﺎً
ﻭﻋﻠﻴﻚ ﻗﻨﻄﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻷﺻﻮﺍﻑ
ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺤﺘُﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﺒﺺ ﻟﻲ
ﻭﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﻀﻢ ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻡ ﻛﺘﺎﻓﻲ
ﻓﺄﺟﺒﺘُﻬﺎ ، ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻳﺮﻗﺺ ﺩﺍﺧﻠﻲ
ﺃﻫﻼً ﻭﺳﻬﻼً ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻝ « ﺍﻟﺼﺎﻓﻲ »
ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﻳﻒ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﻭﻣﻮﻃﻨﻲ
ﻃﺤﻄﺎ ﻭﻣﻦ ﻗﻮﺹ ﺃﺗﻲ ﺃﺳﻼﻓﻲ
ﻭﻟﺪﻯّ ﻓﻲ ﺃﺳﻴﻮﻁ ﻧﺼﻒ ﻋﻤﺎﺭﺓ
ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻓﻲ ﺷﺎﺭﻉ ﺍﻷﺷﺮﺍﻑ
 
ثم اختتم الشاعر مصطفى رجب بقصيدة بعنوان الصمت يقول فيها
 
هو الصمت يا هند لا تنطقي
فإنا التقينا ولَم نلتق
 
دعي الصمت يفتح لنا بابه
إلى ثرثرات الهوى الزئبقي
 
فما الصمت إلا دفاع القلوب
إذا هجم العقل بالمنطق.