معرض فني لذوي "التوحد" لتخفيف نوبات التوتر الأوبرا المصرية

تحولت قاعة "آدم حنين" في مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية إلى عالم من الألوان ملكًا لمتحدّي الإعاقة الفائقين من ذوي التوحد وصعوبات التعلم، حيث عُرضت عشرات من اللوحات والتماثيل الجماعية لهم التي تحاكي الأعمال الإبداعية العالمية لفنانين مثل بيكاسو وفان جوخ وبيت موندريان وآخرين بإشراف جمعية "التقدم لذوي الإعاقة والتوحد"، ضمن شهر الاحتفال بالتوحد.

ويقول عمر عبد الكريم مشرف الورشة وأحد مسؤولي جمعية "التقدم لذوي التوحد"، "إنّ المعرض يستعرض المدارس الفنية المختلفة التي أثرت في حركة الفن التشكيلي بفنانيها البارزين"، وجرى اختيار اللوحات على أساس سهولة الخطوط وتعدد الألوان حتى تكون قريبة من المشاركين من ذوي التوحد وصعوبات التعلم.

وأضاف المشرف أنّ العمل عليها استغرق 7 أشهر كاملة، بداية من سبتمبر /أيلول من العام الماضي، وتكونت مجموعات عمل وفقًا للمعايير العلمية، على ألا يزيد عدد المشاركين في كل مجموعة على 4 أطفال، كما جرى مراعاة اختلاف المهارات والقدرات حتى يتكامل أطراف المجموعة الواحدة ويكمل بعضهم بعضًا.

ولم يكن الأمر سهلًا على الإطلاق، وفق ما يؤكده عمر، قائلًا "أطفال التوحد بشكل عام لا يميلون إلى العمل الجماعي، إلا أنّ صبر المشرفين معهم، وإدماجهم في نشاط ممتع كالرسم، أدى إلى استجابتهم وتعديل سلوكهم حتى إنّهم كانوا يلتزمون بكل تفاصيل تقسيم العمل، ويجتهدون في إنهائه".

ووقف بلال يحيى مبتسمًا أمام لوحة تمثل محاكاة لأعمال أنطونيو بادرون ممثل المدرسة التعبيرية التجريدية، كي تتمكن عائلته من التقاط صور له بجانب اللوحة التي شارك بها في المعرض، مع 12 طفلًا آخرين، بدا بلال فخورًا بقدراته الفنية، وقال عن لوحته بطريقته العفوية "رسمت اللوحة ولوّنتها، وتركتها كي تجف".

وكانت لبنى عادل فتاة عشرينية، وهي واحدة من أبرز وجوه التوحد في مصر، تتنقل في القاعة بين الحضور ببهجة، تحيّي الجميع بابتسامتها المرحة، باحثة عن لوحاتها الثلاث التي شاركت بها خلال المعرض.

وتوقفت لبنى أمام لوحة هي محاكاة لعمل لاريك فوج، ممثل المدرسة التكعيبية التحليلية، وأشارت إلى اسمها المدوّن أسفل اللوحة، ضمن مجموعة مكونة من 10 أفراد، وأكدت أنّها تهوى الرّسم والتلوين والعمل الجماعي، وأنّها تستطيع رسم أي شيء.

وبدأت لبنى بعد ذلك في شرح الألوان التي استخدمتها خلال مراحل تنفيذ اللوحة التي كان أبرزها الأحمر والوردي والأزرق، وهي الألوان المفضلة لديها.

ووقف الصديقان محمد وعمرو أمام 3 لوحات تمثل محاكاة لأعمال بيكاسو، يلتقطان صور "السيلفي" مبتسمين ويرددان حبهما لأعمال بيكاسو التي علّمتهما مهارة الرسم، إذ كان قد سبق تنفيذ العمل الفني، تدريبٌ على التلوين ونقل الصور من الورق الشفاف.

وقالت صفا إبراهيم مشرفة أعمال الصديقين "إنّها لجأت إلى رسومات بيكاسو، بسبب سهولة خطواتها وإمكانية تعليمها، خصوصاً بالنسبة إلى لوحاته الخاصة بالوجوه، بينما استغرق العمل على اللوحتين شهرين كاملين.

وكان فن النحت حاضرًا أيضًا، إذ قال الشاب عمر الدمرداش "إنّ العمل على التمثال الذي شارك به في المعرض استغرق شهرين كاملين"، مؤكدا أنه تطلب منه جهدًا كبيرًا.

وقال محمود فؤاد نائب مدير التربية الخاصة للفصول الكبرى، في جمعية "التقدم للأطفال ذوي التوحد"، "إنّ تفريغ طاقة الأطفال ذوي التوحد وصعوبات التعلم في نشاط فني، هو أمر بالغ الأهمية، وظهر أثر ذلك من خلال ورش العمل الخاصة بالمعرض، حيث لم يتغيب الأطفال عن الورش طوال الأشهر السبعة، كما انعكست المشاركة في تعديل سلوكهم.

وينصح محمود، عائلات الأطفال ذوي التوحد وصعوبات التعلم، بضرورة المساعدة في دمجهم في الأنشطة التي تعتمد على إبراز مهارتهم، خصوصاً تلك الفنية، ويمكن الوصول إلى الجلسات الخاصة بتعليم الفنون لذوي التوحد عن طريق الإنترنت في حال عجز الأسرة عن الاتصال بمتخصص، وذلك حتى تقل الأعباء النفسية عن الطفل، ويصبح أكثر قدرة على التعامل مع محيطه والاندماج به، وبالتالي تقل نوبات التوتر والغضب.