بيت الشعر في الأقصر ينظم أمسية أدبية للاحتفاء بالطائي

نظم بيت الشعر بالأقصر، أمسية أدبية للاحتفاء بالشاعر الكبير أبو تمَّام، حملت عنوان "في حضرة أبو تمًّام – قراءات وإضاءات"، شارك فيها الشعراء أشرف البولاقي، والنوبي عبد الراضي، وعبيد عباس، والشاعر حسن عامر.

وبدأ الشاعر حسن عامر، الليلة بإلقاء الضوء على ملامح من حياة أبي تمَّام ومسيرته الشعرية، مؤكدًا على ضرورة الوقوف على تراثنا ومنجزنا العربي موقف الباحث المتأمل، وضرورة أن يكون هناك احتفاء بالأولين من الشعراء الذين مهدوا الطرق وعبَّدوها أمام القصيدة العربية، مشيرا إلى أنه كما نحتفي بتجارب اللاحقين فجديرٌ بنا أيضًا أن نعيَ تراثنا جيدًا ونتعاطى معه قراءةً وفهمًا.

وتحدث الشاعر النوبي عبد الراضي، عن أبي تمام وعن حياته ونشأته حيث ذكر أن أبا تمَّام هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، وكنيته أبو تمام، أحد الشعراء المتميزين في العصر العباسي، تميز في فنون الشعر المختلفة من مدح وهجاء ووصف وغزل وغيرها، وإن كثر المدح والرثاء في شعره فقيل عنه "أبو تمام مداحة نواحة"، مشيرا إلى أن الباحثين في فنه يقولون إن ديوانه ينبئ باطلاعه العميق على القرآن الكريم وكتب التاريخ والفقه والنحو.

وأوضح عبد الراضي، أن أبو تمام ولد في "جاسم" وهي إحدى القرى بسوريا بالقرب من دمشق عام 188هـ - 803م ، ويمتد نسبه إلى قبيلة طئ، كان والده خماراً فيها، ويقال أن والده كان نصرانياً يسمى ثادوس أو ثيودوس وأن الابن قد استبدل هذا الاسم بعد اعتناقه الإسلام إلى أوس، التحق أبو تمام بأحد الكتاتيب بقريته لتلقي العلم إلا أن والده ما لبث أن أخرجه منه وذلك لتعلم مهنة الحياكة، ظهرت موهبته الشعرية مبكراً وقد بدأ حياته كشاعر من حمص.
 
وأوضح عبد الراضي، أن أبو تمام انتقل من دمشق إلى مصر، وبالقاهرة عمل على الدراسة والجلوس إلى مجالس العلماء والشعراء، فتردد على جامع عمرو بن العاص يستمع للأساتذة ويتلقى منهم العلم، واطلع على العلوم المختلفة وغيرها من علوم الفلسفة والمنطق، مما أثرى ثقافته وانعكس على شعره، ثم قام أبو تمام بالتنقل بين المدن المصرية ثم ذهب إلى الإسكندرية فمكث بها خمس سنوات قبل أن يغادرها، وكان أول من مدحه في مصر عياش بن لهيعة، والذي وهبه منحة قيمة ثم ما لبث أن دب خلاف بينهما فقام بهجائه، وعاد أبو تمام مرة أخرى إلى الشام، ثم انتقل إلى العراق هذه الفترة التي تعد من أكثر فترات حياته تألقاً ففيها نظم أفضل أشعاره والتي تنوعت بين الرثاء والمدح والوصف ووصف المعارك والطبيعة وغيرها من القصائد، ثم عاد بعد ذلك إلى سامراء، واتصل بابن أبي دؤاد وابن الزيات وقام بوصف ثورة العباس بن المأمون، ثم ظهر في الشام، واستقر مرة أخرى في العراق، تولى بريد الموصل وسكن هو وأهله بها حتى توفى عام 231هـ - 845م .

كما قام عبد الراضي، بانتقاء بعض المقاطع المتنوعة من شعر أبي تمَّام مبيِّنًا وشارحًا ما تتمتع به من جزالة وقوة في اللفظ والمعنى ومن هذه المقاطع :
أَيَا وَيْلَ الشَّجي مِنَ الْخَلي وبالي الربعِ من إحدى بليِّ
وما للدارِ إلا كلُّ سمحٍ بأدمعِهِ وأضلعهِ سخيِّ
سنَتْ عَبَراتُه الأطلالَ حتى نَزَحْن غُرُوبَها نزْحَ الرَّكِي
 
ومنها أيضًا ما يعبر عن رقة المعاني وصفائها في شعرية أبي تمام :
 
أغارُ عليكَ من قُبَلي وإن أعطيتني أملي
وأشفقُ أن أرى خديكَ نصبَ مواقعِ المُقَلِ
 
ثم تلاه الشاعر عبيد عباس، والذي اختار بائية أبي تمَّام الخالدة لتكون محور حديثه مترجمًا عن واقعة عمُّورية وملابساتها التي ألقت بظلالها على قصيدة أبي تمَّام :
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة الشُّهُبِ
كما عرَّجَ عباس على بعض المعاني الدقيقة والصور الدلالية التي انطوت عليها الأبيات على طول القصيدة، رصدا في ثنايا القصيدة ما يجعل لأبي تمام فتوحات في الشعرية العربية لا تقلُّ بحال من الأحوال عن فتح عمُّورية بالنسبة للمعتصم كيف وهو الذي خلَّدَ الواقعة في شعره.
 
ثم جاءت مداخلة الشاعر أشرف البولاقي والذي آثر أن يرصد التماس بين تجربة أبي تمام التراثية وتجربة واحدٍ من أعلام القصيدة العربية المعاصرة وهو الشاعر اليمني عبد الله البردوني متناولاً قصيدة البردوني "أبو تمَّام وعروبة اليوم" - والتي يعارض فيها قصيدة أبي تمام - التي يستهلها البردوني بقوله :
مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب
بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب
وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
 
كما شاركَ الشاعر محمد المتيم، بقصيدةٍ من قصائد أبي تمام والتي يرثي فيها محمد بن حميد الطائي مشيرًا إلى أن القصيدة حظيت بمعارضات عدة عبر الشعرية العربية لعلَّ أبرزها معارضة صفي الدين الحلي :
فتى ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتة تقومُ مقامَ النصرِ إذْ فاتهَ النصرُ
وما ماتَ حتى ماتَ مضربُ سيفهِ مِنَ الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليهِ القَنا السُّمْرُ
وقد كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فردَّهُ إليه الحِفاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنَّه هو الكفرُ يومَ الروعِ أوْ دونَه الكفرُ
فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجله وقال لها منْ تحت أخمصكِ الحشرُ
غَدَا غَدْوَة والحَمْدُ نَسْجُ رِدائِهِ فلم ينصرفْ إلا وأكفانُه الأجرُ
تردى ثيابَ الموتِ حمراً فما دجا لها الليلُ إلاَّ وهْيَ مِنْ سُنْدُسٍ خَضْرُ