مسرح التفجير الانتحاري الذي هز منطقة الشياح جنوب بيروت

قبل دقائق من حصول التفجير في الضاحية الجنوبية لبيروت منتصف ليلة الاثنين الثلاثاء، اعترض العنصر في الامن العام اللبناني عبد الكريم حدر (20 عاما) سائق السيارة المفخخة بعد الاشتباه به، فاقدم هذا الاخير على التفجير، ما تسبب بمقتل الشاب الشجاع، لكن تجنيب المنطقة كارثة محتملة. وقضى حدرج، الشاب ذو الشعر الاسود والعينين الثاقبتين والملامح الطفولية، في التفجير الانتحاري الذي وقع قرب حاجز للجيش اللبناني في منطقة الشياح، وعلى بعد امتار من مقهى مكتظ بعشرات الشبان الذين كانوا يتابعون مباراة ضمن كأس العالم لكرة القدم. ويقول زوج عمته لوكالة فرانس برس "عبد الكريم حمى المنطقة ونجاها من مجزرة كانت ستودي بعشرات الشهداء"، مشيرا الى ان "المقهى كان مكتظا بنحو مئتي شخص" يتابعون مباراة البرازيل والكاميرون في المرحلة الثالثة من الدور الاول لكأس العالم. وقال مسؤول في الامن العام من جهته لوكالة فرانس برس "الامن العام يعتبر ان حدرج افتدى سكان المنطقة" حيث يقيم مع اهله. "لو اتيح للانتحاري ان يصل الى اي تجمع عسكري او سكاني، لوقعت كارثة". كان عبد الكريم عائدا الى منزله بسيارته برفقة زميله في الامن العام علي جابر قرابة الساعة الثانية عشرة ليلا (21,00 تغ الاثنين). ويروي المسؤول في الامن العام انه لدى وصولهما الى اسفل المبنى الذي يقطنه، "اشتبها بسيارة تتقدم بعكس السير قبل ان تتوقف في منتصف الطريق، ويترجل منها شخص، فأوقفاه وسألاه عن سبب توقفه بهذا الشكل، فأجابهما ان مفتاح السيارة انكسر ولم يعد قادرا على تشغيلها". لكنهما لم يقتنعا، وطلبا منه اوراقه. وينقل احد رفاقهما عن جابر الذي يعالج من جروح اصيب بها في الانفجار في احد مستشفيات بيروت، قوله ان "حدرج كان ينظر الى الاوراق، وبقي مع الرجل ليحول دون هروبه، بينما توجهت الى حاجز الجيش القريب لطلب مساندة". بعد لحظات، وقع الانفجار. ويقول ايلي، رفيق الشابين وخريج دورتهما في الامن العام، "كان عبد الكريم خلوقا، يحب الناس والناس يحبونه. كان يحب الحياة، ومتحمسا لعمله". لكن عبد الكريم لم يكن في مهمة الليلة الماضية، بل كان في يوم عطلة يرتدي ملابسه المدنية. ويقول قريبه الذي فضل عدم كشف اسمه "في وضع كهذا نعتبره بطلا، ونفرح له. كان يمكن ان اكون انا او ابني او اي كان موجودين في المكان الذي كان الانتحاري ينوي استهدافه، لكننا نجونا بفضل عبد الكريم". وتعد الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله الشيعي، منطقة سكنية وتجارية مكتظة. قبل ظهر الاربعاء، كانت عائلة حدرج المتحدر من بلدة البازورية في جنوب لبنان، تتقبل التعازي "باستشهاده" في مقبرة "روضة الشهيدين" في الشياح، علما ان وفاته لم تعلن رسميا بعد في انتظار انجاز فحوص الحمض النووي، بعدما ادى قربه من مكان الانفجار الى تناثر جثته أشلاء.

ووقف فضل حدرج، والد عبد الكريم، خارج قاعة العزاء يدخن سيجارة تلو الاخرى، وقد احمرت عيناه الزرقاوين بفعل الدموع التي ذرفها. وتحلق بصمت حول الرجل الذي ارتدى قميصا كحليا وسروالا من الجينز، اقارب واصدقاء، اضافة الى ضباط و"رفاق سلاح" من الامن العام. ورفض فضل التحدث الى وسائل الاعلام، متمتما بصوت خفيض "عبد الكريم بطل. انا فخور به". تقدم منه شبان وعانقوه، متوجهين اليه بالقول "انت أب البطل"، فرد بخجل "الله يحميكم جميعا!"، قبل ان يعاود دخول القاعة حيث أمكن ايضا مشاهدة زوجته وابنتيه في حالة من الحزن الشديد والبكاء المتواصل. ويقول عارفو عبد الكريم انه كان شابا مهذبا، محبا للصيد وعاشقا لكرة القدم. ويقول زوج عمته "كان يشجع المنتخب الايطالي في كأس العالم، ويترقب المباراة التي ستجمعه بمنتخب الاوروغواي" مساء الثلاثاء. ويضيف "كان خفيف الظل ودائم المزاح، يشعرك ما ان تجلس معه بانك تعرفه منذ اعوام طويلة". وانضم حدرج الى سلك الامن العام في كانون الثاني/يناير 2013، وكان مفتشا في قسم المكننة. وتم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بصورة له وهو جالس على ارجوحة، وقد رسم ابتسامة على وجهه ذي الشاربين الخفيفين. وارفق المستخدمون الصورة بتعليقات عدة منها "شكرا يا أشجع الناس"، و"الشهيد البطل"، و"حمى بيروت من مجزرة محققة". واتى تفجير الضاحية الجنوبية بعد ثلاثة ايام من تفجير انتحاري عند حاجز لقوى الامن الداخلي في شرق البلاد الجمعة، ادى الى مقتل عنصر امن واصابة 33 شخصا بجروح، ما اثار قلقا من عودة موجات التفجيرات التي ضربت البلاد منذ اندلاع النزاع في سوريا المجاورة. واستهدف عدد كبير من تلك التفجيرات الضاحية الجنوبية ومناطق اخرى محسوبة على حزب الله، وتبنت عددا منها مجموعات اسلامية متطرفة، مشيرة الى انها رد على قتال حزب الله الى جانب قوات النظام في سوريا. وقال قريب عبد الكريم "هو عريس يجب ان نزفه. رغم ذلك، ثمة حرقة في القلب". أ ف ب