محمد مهدي عاكف

ولد محمد مهدي عاكف عام 1928، بالتزامن مع ميلاد جماعته "الإخوان المسلمين"، وعاشا معًا محنتين في ستينات القرن الماضي، فلت فيهما من مشنقة الإعدام وقتها، لكن السجن أكل من عمره 20 عامًا، قبل أن يفارق الحياة مساء الجمعة. غير أن فراقًا كُتب على عاكف، المرشد العام السابق لـ"الإخوان"، ليفترق عن جماعته التي ولد معها وهما في محنتهما الثالثة، التي أطاحت بالإخوان من حكم مصر عام 2013، وجعلتها جماعة محظورة، وأودت به في العام ذاته سجينًا يفترسه المرض والعمر، ولم تلتفت الدولة إلى مناشدات حكومية وسياسية، بل ومن الجماعة نفسها، بالإفراج عنه قبل أن توافيه المنية. وبدأت سيرة عاكف (89 عامًا)، وفق موسوعة الجماعة، في أربعينات القرن الماضي، مع انخراطه في الحركة الطلابية المقاومة للاحتلال الإنجليزي، وامتدت في السبعينات في عدد من دول العالم قائدًا لمخيمات شبابية.

وعاد إلى مصر عام 1986، وفي العام التالي صعد سلم البرلمان نائبًا عن "الإخوان"، وأصبح عضوًا في مكتب الإرشاد، أعلى هيئة تنفيذية في "الإخوان"، ثم مسؤولاً عن التنظيم العالمي للجماعة، وبعدها تمت محاكمته عسكريًا على هذا التوصيف، في 1995. وخرج عاكف كبير السن من سجنه في عهد الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، ليصبح أحد الوجوه التي تولت منصب المرشد العام للجماعة، ورفض التجديد له في سابقة هي الأولى في تاريخ "الإخوان"، وشهدت فترة ولايته إطلاق مبادرة سياسية عام 2005، معروفة باسم "الإصلاح"، فضلاً عن تصريحاته التي أثارت جدلاً واسعًا مع صراحته المعتادة. وصراحته المعتادة تعود إلى نشأته في أجواء ريفية بسيطة، فهو من مواليد كفر عوض السنيطة، في مركز أجا، التابع لمحافظة الدقهلية، وهي محافظة يعج تاريخها بالمنتمين للإخوان، وفق معلومات نشرتها "إخوان ويكي"، الموسوعة التاريخية للجماعة.

في 12 يوليو / تموز 1928، ولد عاكف، وهو العام نفسه الذي تأسست فيه جماعة "الإخوان" على يد حسن البنا، في فبراير / شباط من العام ذاته، والتحق عاكف بمدرسة المنصورة الابتدائية، وبعدها انتقل إلى القاهرة ليعيش في منطقة السكاكيني الشعبية، ثم حصل على شهادة التوجيهية (الثانوية العامة) من مدرسة فؤاد الأول الثانوية، والتحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية، وتخرج في مايو / أيار 1950، وعمل بعد تخرجه مدرسًا للرياضة البدنية في مدرسة فؤاد الأول الثانوية، وهو متزوج من وفاء عزت، أخت القائم بأعمال المرشد الحالي للإخوان، محمود عزت، والمختفي عن الأنظار منذ فض قوات الأمن المصرية اعتصامي رابعة العدوية، ونهضة مصر، في صيف 2013، ما أسقط مئات القتلى وفق تقارير حكومية وحقوقية.

وعرف عاكف الإخوان في وقت مبكر من عام 1940، وتربى على أيدي شيوخ الإخوان وعلمائهم، وعلى رأسهم حسن البنا (مؤسس الجماعة)، وترأس معسكرات جامعة إبراهيم (عين شمس حاليًا) في الحرب ضد الإنجليز في منطقة القناة، حتى قامت ثورة 1952 (المعروفة بحركة الضباط الأحرار)، ثم سلَّم معسكرات الجامعة لكمال الدين حسين، المسؤول عن الحرس الوطني (جهاز تابع للدولة) آنذاك. وكان آخر موقع شغله عاكف في الإخوان، قبل صدور قرار بحل الجماعة عام 1954، هو رئاسة قسم الطلاب، وكان رئيسًا لقسم التربية الرياضية في المركز العام للإخوان. وأٌلقي القبض عليه في مطلع أغسطس / آب 1954، وحُوكم بتهمة تهريب اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف، أحد قيادات الجيش وأحد أعلام الإخوان، الذي أشرف على عزل الملك فاروق الأول ونفيه خارج مصر، وحُكم على عاكف بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة (25 عامًا).

وخرج عاكف من السجن عام 1974، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وعُين في وظيفة حكومية معنية بالشباب على درجة مدير عام، ثم انتقل إلى السعودية ليعمل مستشارًا للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومسؤولاً عن مخيماتها الدولية ومؤتمراتها. واشترك في تنظيم المخيمات للشباب الإسلامي في دول عديدة، منها السعودية، والأردن، وماليزيا، وبنغلاديش، وتركيا، وأستراليا، ومالي، وكينيا، وقبرص، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية. وسافر عام 1980 إلى ألمانيا، حيث عمل مديرًا للمركز الإسلامي في ميونيخ، قبل أن يعود إلى مصر عام 1986، ليتولى مجددًا رئاسة قسم الشباب والطلاب في جماعة الإخوان. وكان عاكف أحد 35 عضوًا في مجلس الشعب (إحدى غرفتي البرلمان)، مثلوا كتلة برلمانية للإخوان عام 1987، وذلك عن دائرة شرق القاهرة، وكان يرى أنه استفاد كثيرًا من هذه التجربة البرلمانية في مجال السياسة.

وشغل عاكف عضوية مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان بين عامي 1987 و2009. ومع بداية 1995، بلغ التوتر بين الإخوان والحكومة المصرية مداه، فمثل عاكف أمام المحكمة العسكرية، في 1996، بتهمة مسؤوليته عن التنظيم العالمي للإخوان، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. وبعد وفاة مأمون الهضيبي، في يناير / كانون الثاني 2004، شغل عاكف منصب المرشد العام للجماعة، ليصبح المرشد السابع، وفي عهده كانت الإخوان أكثر علنًا في المشهد السياسي، وأعلنت تنظيم مظاهرات عام 2005، وأطلقت مبادرة شهيرة للإصلاح. وانتهت فترة ولاية عاكف في كانون الثاني 2010، ورفض إعادة انتخابه مرشدًا وترك المنصب، بانتخاب محمد بديع مرشدًا في 16 كانون الثاني 2010، ليصبح عاكف صاحب لقب أول مرشد عام سابق في تاريخ الجماعة.

وكان عاكف يطلق تصريحات صريحة للغاية من وقت إلى آخر، أبرزها في 2006، وهي موقفه من احتمال ترشح جمال، نجل حسني مبارك، للرئاسة، كحق دستوري، شريطة أن يغادر والده السلطة. وفي 2012، كان لعاكف موقفًا رافضًا لتقديم الجماعة مرشحا لانتخابات الرئاسة، لكنه نزل على شورى الجماعة، وفق تصريحات صحافية له. ووصفت الأكاديمية المصرية وأستاذة العلوم السياسية، رباب المهدي، عاكف، عبر تدوينة في 2017، بأنه الرجل الذي كان يشجع الإخوان على العمل والانفتاح على التيارات السياسية الأخرى، وترك منصبه في الجماعة ليقر ممارسة تداول السلطة".

وبخلاف محنتي الستينات اللتين خاضهما عاكف مع الجماعة سجينًا، كان قدره أن تكون المرة الثالثة في تموز 2013، عقب القرارات التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك ضمن آخرين من قيادات الجماعة، بينهم بديع. وخلال السنوات الأربعة التالية للقبض عليه، تدهورت صحة عاكف، وسط تقارير حقوقية وصحافية عن إصابته بالسرطان وانسداد في القنوات المرارية، وكان ينتقل من مستشفى سجنه، جنوب القاهرة، إلى مستشفى حكومي، غرب العاصمة، قبل أن يستقر في مستشفى استثماري يتبع الحكومة، بعد مناشدات طويلة من حقوقيين وسياسيين في مصر، وطلب نادر من الجماعة بإطلاق سراحه. وكشفت علياء، نجلة عاكف، في السادس من أغسطس / آب الماضي، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، عن أن والدها يواجه أمراضًا مميتة، بعد نحو شهر من أنباء عن وفاته، نفتها وزارة الداخلية المصرية. وودع عاكف الحياة، الجمعة، 22 سبتمبر / أيلول 2017، وهو محبوس على ذمة قضية واحدة، وهي أحداث مكتب الإرشاد (المكتب الرئيسي لجماعة الإخوان) في منطقة المقطم، الذي تولاه يومًا ما والجماعة في قمة مجدها، وصدر بحقه حكم بالمؤبد (السجن 25 عامًا)، ثم ألغته محكمة النقض، في يناير / كانون الثاني الماضي، وأعادت محاكمته.

وقال عاكف  المعروف بصراحته وتصريحاته المثيرة للجدل، في آخر رسالة نقلتها نجلته علياء، عبر صحفتها على موقع "فيسبوك"، في السابع من يناير / كانون الثاني الماضي: "أنا مش خايف من الموت، أنا خايف على مصر".