تواصل أنقرة عدم احترامها لدول الجوار من خلال تعدّيها على مواردهم الطبيعية

تستمر حلقات مسلسل استفزاز تركيا لقبرص ودول البحر المتوسط منذ عقود، إذ تواصل أنقرة عدم احترامها لدول الجوار من خلال تعدّيها على مواردهم الطبيعية، حيث أعلنت الجمعة، أن سفنها ستجري عمليات حفر في البحر المتوسط حتى سبتمبر/أيلول المقبل، للتنقيب عن الغاز واستخراجه، في دليل جديد على تعنت الحكومة التركية، واتخاذها كل الإجراءات التي توائم مصالحها، بغض النظر عن التأثيرات الكارثية التي قد تتسبب بها.

 وكانت عمليات التنقيب التركية في مناطق تابعة لقبرص في البحر المتوسط قد بدأت عام 2017، عندما أطلقت أنقرة سفينة "خير الدين بربروس باشا"، التي تم شراؤها من النرويغ عام 2013، وفي فبراير/شباط من العام الماضي، انتهكت تركيا القانون الدولي عندما اعترضت سفنها الحربية سفينة تابعة لشركة "إيني" الإيطالية، التي كانت تستكشف حقول الغاز في مياه قبرص الإقليمية.

وفي مايو/أيار من العام نفسه، أطلقت تركيا أول سفينة حفر سمتها "الفاتح"، التي اعتبر وزير الطاقة التركي إطلاقها بمثابة "بداية حقبة جديدة" في مخطط اكتشاف النفط والغاز في تركيا، وفي أكتوبر /تشرين الأول الماضي، أبحرت سفينة الاستكشاف التركية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، بمساندة 3 سفن لوجيستية، ليعلن بعدها بأربعة أشهر وزير الخارجية التركي، أن سفن التنقيب التركية ستنتقل من عمليات المسح إلى التنقيب.

 وأخيرا، أعلنت البحرية التركية نيتها إجراء عمليات تنقيب عن الغاز حتى أيلول المقبل، في منطقة من البحر المتوسط، تقول السلطات القبرصية إنها تندرج ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة.

 وواجه إعلان تركيا الأخير رفضا دوليا من انتهاكها لحقوق دول الجوار، إذ طالبها الاتحاد الأوروبي، الذي سعت تركيا طويلا للانضمام إليه، إلى وقف الأعمال غير القانونية واحترام الحقوق السيادية لقبرص، وحذّرت وزيرة خارجية الاتحاد، فيديريكا موغيريني، تركيا، من أن الاتحاد سيرد على تلك الخطوات "بشكل ملائم وبتضامن كامل مع قبرص".

 أما الخارجية التركية، فعكست تعنت الحكومة وأعلنت رفضها تصريحات موغيريني، قائلة إن أعمال الحفر تستند إلى "حقوق مشروعة"، متهمة الحكومة القبرصية "بعدم التحلي بروح المسؤولية، وبتهديد أمن واستقرار منطقة شرق البحر المتوسط".

 تحذير مصري

من جانبها، حذّرت الخارجية المصرية تركيا من اتخاذ أي إجراء أحادي الجانب فيما يتعلق بأنشطة حفر أعلنتها في منطقة بحرية غرب قبرص، وقالت إن "إقدام تركيا على أي خطوة دون الاتفاق مع دول الجوار في منطقة شرق المتوسط، قد يكون له أثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، مشددة على ضرورة التزام كافة دول المنطقة بقواعد القانون الدولي وأحكامه".

يذكر أن مصر أعادت ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص في منطقة شرق المتوسط، بعد ظهور اكتشافات جديدة للغاز في منطقة المياه الاقتصادية بين البلدين.

الأسباب والعواقب

وعن الأسباب التي تدفع تركيا لانتهاك القوانين الدولية والتنقيب في مناطق تتبع دولا أخرى، قال الباحث في الشؤون التركية، محمد عبد القادر، إن هناك 3 أسباب رئيسية، تلعب دورا مهما في تحريك حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، وأضاف "أن السبب الأول والأقدم هو أن تركيا لا تعترف بطبيعة الاتفاقيات الدولية التي خضعت لها المنطقة، وهي اتفاقيات متعددة الأطراف وتجمع مجموعة دول شرق المتوسط، وتركيا هي الاستثناء الوحيد في هذا الإطار".
 
وتابع عبد القادر "تركيا هي الدولة التي تلعب الدور المهدد لهذه المنطقة، على اعتبار أنها ترتبط برؤية مختلفة لترسيم الحدود، كونها تريد الحصول على المزيد من الحقوق البحرية على حساب أغلب دول البحر المتوسط"، كما أشار إلى أن الاستفزازات التركية المتواصلة دفعت دول البحر المتوسط إلى اتخاذ إجراءات ثنائية أو متعددة الأطراف، أفضت إلى تشكيل ما يطلق عليه الآن منتدى البحر المتوسط، الذي تجاوز قضايا الغاز إلى قضايا متشابكة، اقتصادية وثقافية، وصلت إلى حد إجراء مناورات عسكرية بين بعض الدول".

 وأوضح الباحث في الشؤون التركية، أن السبب الثاني يتمثل في الخسائر السياسية التي يواجهها أردوغان، موضحا "تلقى النظام التركي صفعة بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، وقد درجت العادة أنه كلما عانى هذا النظام من أزمة داخلية، فإنه يحاول أن يخلق أزمات خارجية ويصعدها ثم يضعها في الواجهة".

وأضاف "ويكون هذا على شكل أزمة مع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، وهو ما حدث في قضية القس الأميركي أو الداعية التركي فتح الله غولن، أو مع الاتحاد الأوروبي، مثل ما حدث حين صعدت تركيا المواجهة مع الاتحاد في الوقت الذي أجرت فيه استفتاء".
 
أما السبب الثالث، في رأي عبد القادر، فهو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجهها تركيا، قائلا "ربما يحاول النظام أن يصور للشعب أنه يواجه مؤامرة دولية تستهدف اقتصاد البلاد وثرواته من غاز وغيرها"، في محاولة لتغطية آثار أعماله وسياساته التي دمرت الاقتصاد، كما أشار إلى أن إنتاج بعض دول شرق المتوسط للغاز، فيما لم تستطع تركيا أن تجري عمليات تنقيب ناجحة، استفز أنقرة أكثر ودفعها إلى خرق القوانين الدولية.

 سبل الرد

وعن أفضل طريقة يواجه بها المجتمع الدولي الخطوات التركية، خاصة من جانب الاتحاد الأوروبي، رجّح الباحث، فرض عقوبات على النظام التركي، وقال "المنطقة خاضعة لمجموعة من الاتفاقيات الدولية، فيما يتعلق بترسيم الحدود، لم توقع تركيا على البعض منها، مما يعني أن هذه قضية تركيا وليست قضية يتم إلزام باقي دول المتوسط بها".

 وتابع "قضية الغاز لم تعد إقليمية، وإنما دولية، لأن العديد من شركات الغاز العاملة في منطقة المتوسط تتبع دولا مختلفة، فبعضها روسي أو أوروبي، لذا فإن تركيا ستواجه عواقب وخيمة إذا استمرت في سياساتها هذه"، مضيفا "الاتحاد الاوربي قد يلجأ إلى بعض الإجراءات العقابية، خصوصا أن قضية غاز المتوسط تمثل ملفا حيويا للاتحاد، على اعتبار أنه بديل محوري للغاز الروسي، وهذه قضية استراتيجية وليست اقتصادية بحتة، وبالتالي فإن أوروبا قد تفرض عقوبات أو تعلق تسليم أسلحة للجيش التركي".
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ 
مُؤشِّرات جديدة تُنبئ بمزيدٍ مِن الانهيار للاقتصاد التركي
المحكمة الدستورية في تركيا تدين انتهاك حقوق صحافيين