المخابرات الروسية

أطلق جهاز الاستخبارات الروسي سلسلة فاعليات، في توقيت بدا متعمداً، على خلفية المواجهة المتصاعدة مع الغرب، في إطار الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي).

وعادت قصة كيم فيلبي، أشهر الجواسيس السوفيات في القرن الماضي، وأبت موسكو إلا أن تذكّر الغرب بانتصاراتها في "الحروب السرية"، عبر الكشف عن وثائق وتفاصيل عن نشاط "أسطورة الجاسوسية"، كما يحلو لكثيرين في روسيا أن يطلقوا عليه.

اشتملت الفاعليات على معرض حمل عنوان "كيم فيلبي في الجاسوسية والحياة" نظمته الجمعية الروسية للتاريخ تحت رعاية الاستخبارات الخارجية، إضافة إلى إطلاق مشروع تلفزيوني أعدته القناة الأولى الرسمية، رصد نشاط فيلبي في بريطانيا وخلال تنقلاته الكثيرة تحت سواتر مختلفة، قبل أن يفلت من الاعتقال في بيروت ويلجأ إلى الاتحاد السوفياتي على متن سفينة نقلته إلى ميناء أوديسا عام 1963.

ويصف القائمون على المعرض فيلبي بأنه كان "رئيس المجموعة" التي أطلق عليها المؤرخون "خُماسي كامبريدج"، وهم الطلاب الخمسة في الجامعة العريقة الذين تمكن الاتحاد السوفياتي من تجنيدهم في ثلاثينات القرن الماضي وعملوا لحساب موسكو طوال عقود.

وبدأ فيلبي العمل مع "كي جي بي" في 1934، وشغل خلال ثلاثة عقود مناصب مهمة، بينها إدارة مكافحة نشاط الاستخبارات السوفياتية في جهاز الاستخبارات البريطانية وضابط الارتباط مع الاستخبارات الأميركية. وخلال الحرب العالمية الثانية، زوّد الجاسوس المزدوج "كي جي بي" بـ914 تقريراً حوت معلومات إستراتيجية. وبين الأغراض الشخصية، سيجار أهداه إياه الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وملاحظات طُبعت على آلة كاتبة وجلبت من أرشيف الـ "كي جي بي". ويعود معظم القطع المعروضة إلى أربعينات القرن الماضي، وبينها رسائل نقلها فيلبي إلى الضباط المعنيين تحمل ختماً أحمر لعبارة "سري للغاية"، كتبت بالإنكليزية. وهناك أيضاً مقتنيات قدمتها زوجته الروسية روفينا بوخوفا فيلبي البالغة من العمر 85 عاماً، والتي حضرت الافتتاح.

لكن أكثر ما لفت الأنظار وثائق تُنشر للمرة الأولى، هي عبارة عن تقارير سرية قدمها جهاز الاستخبارات إلى جوزف ستالين، أحدها عن رسالة بعثها فيلبي عام 1949 حين عُيّن عميل ارتباط مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) في واشنطن، وكشف فيها للجهاز خطة لعملية خاصة تجهز لها الاستخبارات البريطانية والأميركية في البانيا، إضافة إلى عدد من التقارير التي تحدثت عن نشاط فيلبي في العام ذاته. ومنها تقرير اشتمل على تفاصيل كاملة عن هروب الجاسوس البريطاني من بيروت، وكيف نُقل في باخرة شحن إلى أوديسا ومنها إلى موسكو، حيث بقي حتى وفاته عام 1988 عن 76 سنة.

وقال مدير جهاز الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين عند افتتاح المعرض، الذي حضره عدد من المسؤولين السابقين في الاستخبارات السوفياتية، إن "فيلبي عمل الكثير لتغيير مجرى التاريخ وصنع الخير وتحقيق العدالة".

ولفت مدير "مؤسسة تاريخ الوطن" المدعومة من الكرملين، قسطنطين موغيليفسكي، إلى أن "فيلبي كان وطنياً وفيّاً للأمتين: الاتحاد السوفياتي وبريطانيا"، وزاد أنه تُمكن مقارنة فيلبي بإدوارد سنودن المتعاقد السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية اللاجئ في روسيا بعد تسريبه وثائق تتعلق ببرنامج التجسس الأميركي. وأوضح أن "ما فعله سنودن لم يكن من أجل المال أو لتكون حياته أفضل، بل أصبحت اسوأ. إنهما يتشابهان من هذا المنطلق. ودائماً تحترم روسيا هذا النوع من المواقف".

وعلى رغم أن المعرض لم يتوقف كثيراً عند الحياة الشخصية لفيلبي، فإن بعض المعروضات أظهر وفاءه لمبادئه، وبينها صورة لوصية تركها قبل وفاته، طلب فيها دفنه في الاتحاد السوفياتي "البلد الذي أحببت". وفي المعرض كلمة أرسلت عام 1977 إلى "كي جي بي" لمناسبة الذكرى المئة لميلاد مؤسس الجهاز فيليكس دزرجينسكي، تضمنت تساؤل فيلبي: "هل سنحيا بما فيه الكفاية لرؤية العلم الأحمر يرفرف فوق قصر باكنغهام"؟