المفسر محمد بن جرير الطبري

يعتبر الطبري من أبرز المفسرين والمؤرخين في التاريخ الإسلامي، حيث اشتهر بكتابيه "تفسير الطبري"، و"تاريخ الطبري"، واسمه محمد بن جرير، وعرف بـ "أبو جعفر الطبري"، وقد ولد في 224 هـ الموافق 839م، وتوفي في 310 هـ الموافق 923م.

اهتمام ورعاية الوالد

وجمع الطبري بين علوم التفسير والفقه والتأريخ وعرف بميله لعدم التقليد، وقد ولد في مدينة آمل في طبرستان ونشأ بها في كنف والده الذي اهتم به منذ الصغر، حيث رأى فيه ذكاءً ونبوغًا وحبًا للعلم، وبهذا استطاع أن يحفظ القرآن في السابعة من عمره، وتوجه بعدها إلى مدارس العلماء والفقهاء ليأخذ منهم، وقد خصص له والده المال الكافي ليكمل تعليمه بأفضل وجه، وانعكست معارف الطبري وقدرته على الحفظ وموهبته في مؤلفاته.

من صفاته

يضاف لذلك فقد كان الطبري قد تميز بالورع والزهد، حيث اقتصر في معيشته على ريع بستانه الخاص الذي ورثه عن أبيه، ورفض أية عطايا من الآخرين والملوك، حيث مال طوال حياته للزهد في الدنيا، وقد وصفه ابن كثير قائلًا: "كان من العبادة والزهادة والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وكان من كبار الصالحين"، كما أن الطبري عرف بعفة اللسان وعدم ميله لإيذاء الناس، كما لم يعرف التكبر أمام أصحابه وزملائه وطلابه، أو أنه كان يحمل الغلّ في قلبه.

وبرغم ذلك كان قد اتهم مرات بالأباطيل ومنها المحنة الشديدة التي تعرض لها في أواخر أيامه بسبب الخلافات المذهبية في عاصمة الخلافة بغداد، وعاش على إثرها محاصرًا في بيته إلى وفاته في بغداد.
مؤلفات عديدة

بالإضافة لكتابيه المشهورين في التفسير والتأريخ فقد ألف أيضًا العديد من المصنفات والكتب منها على سبيل المثال: "التبصير في معالم الدين"، "كتاب آداب النفس الجيدة والأخلاق النفيسة"، والآداب في القضاة والنفوس والمناسك والآثار، حيث خصص كتابًا لكل أدب منها.

وقال عنه الإمام النووي: "أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل الطبري"، فيما قال ابن الأثير: "أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق وكان مجتهدًا في أحكام الدين لا يقلد أحدًا، بل قلّده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه وكان أسمر، أعين، نحيف الجسم، فصيحًا".

تاريخ الطبري

واستطاع الإمام الطبري أن يوظف جملة من علومه في الفقه واللغة والدين والعقائد، في أن يخرج بتفسيره الذي صار مرجعًا إلى اليوم، كذلك تأليفًا لكتابه تاريخ الطبري، ويعتبر تاريخ الأمم والملوك أو "تاريخ الرسل والملوك" المعروف بـ "تاريخ الطبري"، من الكتب المرجعية في مجاله، وسابق في فكرته، ويؤرخ للعالم من بدء الخلق إلى نهاية سنة 302 هجرية، من قصة آدم إلى الزمن الذي عاصره الطبري، ويقوم الكتاب على طريق الأخبار بالتسلسل وذكر الأسانيد، وطبع الكتاب مرات عدة واهتم به المستشرقون كثيرًا لتفرد موضوعه وسابقيته.
تفسير الطبري

وفي كتابه تفسير الطبري، فهو صاحب جهد غير مسبوق، حيث يعد أول من نظم مختلف مراحل التفسير في ضوء ما توفر له من مادة تفسيرية غزيرة في عصره، وقد أسس بهذا لمنهج سار عليه من بعده، ويجمع تفسيره بين المعنى والتأويل واللغة وأشهر الأقوال حول مدلول الآيات والإعراب، بحيث أنه مزيج بين التأريخ والنقل والاقتباس واللغة والأسانيد والترجيح، لكنه يكشف عن موهبة نادرة وصبر كبير على هذا العمل الذي استغرق منه سنوات كثيرة يقال إنها وصلت أربعين عامًا.

وأوضح الطبري أن مقصوده من تفسير القرآن الكريم هو تبيين الوجوه المحتملة للآيات، واستقصاء هذه الوجوه فقال: "إذ كان الذي قصدنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آيات القرآن دون وجوه قراءتها"، وقضى الطبري آخر أيامه في بيته حيث عاش في محراب العلم إلى أن لقي ربه، عن عمر يناهز الـ 85 عامًا، وقد مات ولا زال في شعر رأسه ولحيته سواد كثير برواية ابن كثير، ودفن في داره في بغداد، وكانت جنازته حدثًا.