قطع الأثاث القديمة والتاريخية التي تعرف بـ"الأنتيكات"

في العاصمة المصرية، من السيدة عائشة والحسين والمطرية مرورا بالشرابية ثم الهرم، تنتشر تجارة قطع الأثاث القديمة والتاريخية التي تعرف بـ"الأنتيكات"، ويعود تاريخ بعضها إلى أكثر من قرن، فأضحت معروضة في سوق، كما لها تجارها المعروفون، خاصة في حي مصر القديمة.
بين الأثاث القديم من أبواب ونوافذ وشرفات ومذاييع قديمة وأرائك واستراحات وغرف وأسقف ومداخن وأشياء وأخرى ظهرت في أفلام "الأبيض والأسود"، تنتشر هذه التجارة بصورة كبيرة في مصر، بأسعار باهظة، حيث يعتبرها البعض شيئا من التراث تستحق شرائها بأي ثمن.

في منطقة الهرم بالجيزة، حيث عزبة الشطبي، يوجد أكبر تجار بيع الأنتيكات القديمة الذي يملك مخزنا يقع على مساحة تزيد عن الفدان، وهو ممتلئ بكافة أنواع المقتنيات العتيقة، والتي يعود بعضها إلى عهد الملك محمد علي باشا، وأخرى مجمعة من صعيد مصر ومحافظات أخرى.يقول محمد عبد الصمد، تاجر أنتيكات وصاحب المخزن، إن هناك أثاث منزل ومجموعات كاملة من أثاث النوافذ أو الأبواب أو الصالونات التي يعود تاريخها للقرن الماضي، موضحا أن أحد الأبواب الموجودة بالمخزن تعود إلى تاريخ محمد علي باشا، واسمه منقوش عليها.

وأضاف ، أن التجارة تضم أيضا مقاعد قديمة جرى النقش عليها بطريقة ملكية ومذاييع كبيرة الحجم بنية اللون تعود للقرن الماضي، وسقف مزين سعره يصل إلى 35 ألف جنيه، وأطباق قديمة منقوشة يدويًا وملونة سعر القطعة منها تصل إلى 8 آلاف جنيه.وحسب تاجر الأنتيكات، فإن أحد الأبواب يصل سعره إلى 5 آلاف دولار، وهو باب قديم مكون من أربعة أجزاء بعرض يصل إلى 4 متر منقوش على أطرافه في اليمين واليسار اسم محمد علي، موضحا أنه يعود إلى منزل قديم بإحدى محافظات الصعيد، لكن تم هدمه وبيع هذا الباب لأحد التجار، بالإضافة إلى نوافذ ذات ألوان متعددة تضيء من الداخل نهارا، ومن الخارج ليلا.

ولا تقتصر التجارة فقط على الأبواب وقطع الأثاث بل امتدت أيضا إلى تشكيلات من "البلاط" القديم بألوان ما زالت غنية بجمالها، مختلفة الأشكال والأحجام، التي ظهر بعضها في أفلام ودراما القرن الماضي، فحسب التاجر فإن هناك العديد من المخرجين وأصحاب شركات الإنتاج يتعاقدون مع المخزن لاستخدام القطع القديمة في تصوير العديد من المسلسلات ذات الطراز القديم والتاريخية.

وأكد التاجر المصري أن هناك مسؤولين ورجال أعمال يشترون أيضا هذه القطع لاستخدامها في إنشاء "قعدات ملكية" في حدائق منازلهم، أو واجهات المنزل كالتي كانت منتشرة في أحياء مصر القديمة.ولا يختلف الأمر كثيرا في عزبة بلال بالشرابية في القاهرة، التي يقع فيها أحد أكبر أسواق الأنتيكات القديمة في مصر، والتي يذهب إليها التجار للبحث عن هذه المقتنيات، حيث قال الشاب العشريني أحمد محمد، أحد تجار الأنتيكات في هذا السوق، إنه ورث هذه المهنة من عائلته وعمل بها على مدار سنوات.

وأضاف، أن هذه القطع يتم تجميعها من العديد من المحافظات خاصة الصعيد وطنطا والمنصورة، من خلال تجار وسماسرة يعملون في هذه المهنة واحدة، وهي تجارة الأثاث القديم.وتابع الشاب العشريني أنه عندما ينوي أحد الأشخاص هدم منزله القديم، يتم الاتصال بأحد التجار لشراء الأثاث القديم والأخشاب وحتى الأبواب الحديدية، خاصة القديمة، موضحا أن هؤلاء التجار يشترونها بأسعار بسيطة ثم تأتي إلى عزبة بلال لإعادة إصلاحها مرة أخرى ثم بيعها بأسعار أعلى.

ويعتبر أحمد أن هذه التجارة غير مخالفة للقانون بل هي مصدر رزقهم و"أكل عيشهم"، موضحا أن كل قطع الأثاث حصلوا بشرائها من أصحاب المنازل القديمة بعد عرضها للبيع، مشيرا إلى أن كل قطعة لها سعرها الخاص حسب شكلها وقدمها وأيضا جودتها.وقال مجدي شاكر، وهو كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، إن ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ أﺣﺪ ﻣﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﻭﻳﺞ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭالأﻣﻢ، ﻭﺑﻔﻀﻠﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻜﻞ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺑﻘﻌﺔ ﻣﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ذﺍﺗﻬﺎ ﻭ ﺑﻤﻄﻠﻖ ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ، ﻓﻬﻮ إﺭﺙ ﺍلأﺳﻼﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻴﻪ الأﺟﻴﺎﻝ ﻗﺪ ﻳﻔﻘﺪ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺭﻭﻧﻘﻪ ﻟﻜﻦ ﺗﻈﻞ ﺍلأﺻﻮﻝ ﺭﺍﺳﺨﺔ ﺛﺎﺑﺘﻪ ﺑﺪﻭﻥ إﺿﺎﻓﺔ ولا ﺗﻌﺪﻳﻞ.

وأشار شاكر في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن مصر تمتلك تراثا معماريا فريدا قلما يوجد في أي بلاد العالم وذلك لأن مصر هي البلد الوحيد الذي امتدت حضارته في سلسلة متصلة لآلاف السنوات من الفرعونية لليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية والأسرة العلوية، ولكن نتيجة كثير من التدمير الذي طالها نتيجة عوامل الزمن والغزوات التي تعرضت لها وتغير نظم ومواد البناء وإعادة تخطيط المدن، تعرضت كثير من المباني التراثية للهدم أو السقوط.

وأضاف الأثري المصري أن ذلك أدى إلى اندثار مجموعة كبيرة من العناصر المعمارية من تيجان الأعمدة والمشربيات والأبواب والشبابيك الخشبية المزخرفة بزخارف نباتية وهندسية نفذت يدويا، مشيرا إلى أنه يمكن رؤية بقايا معروضة للبيع في أسواق الروبابيكيا والأنتيكات بأسعار خرافية.وتابع أنه يتم عرض أبواب خشبية وغيرها للبيع في الأسواق يأخذها أناس لبيعها كقطع فنية توضع في القصور وتباع بأسعار خيالية وأحيانا يعرض في مزادات عالمية، مشيرا إلى وجود كثير من هذه العناصر خاصة في مدن الصعيد وبالتحديد مدينة إسنا بالأقصر، إذ توجد منازل كثيرة ما زالت أبوابها ونوافذها تحمل زخارف فنية فريدة وخوفا من اندثار هذا التراث الفريد لهدم الكثير من هذه البيوت الخاصة وتحويلها لبيوت اسمنتية تفتقد إلى لمسة فنية.

وعبر كبير الأثريين عن أسفه، حيث لا تعتبر هذه "الأنتيكات" أثرا ولا تتبع التراث ولا تتبع جهة ما، مما يسمح بشرائها وبيعها في الأسواق ومحلات الأنتيكات وأحيانا سفرها للخارج لتعرض في المزادات العالمية.وأكد شاكر ضرورة إقامة متحف لعرض هذا التراث الفريد من العناصر المعمارية والتحف الخشبية والمعدنية الزجاجية وكل ما له علاقة بهذا التراث الفريد، مضيفا أن هناك متحفا خاصا في واحة سيوة يعرض كل ما له علاقة بالتراث السيوى يجب إقامة نسخة مماثلة منه في كل محافظة.وحث على تشكيل لجنة خاصة فى كل محافظة لحماية بعض المنازل والشوارع التي تمتلك هذه المقومات وإعادة تأهيل هذه البيوت بعناصرها التراثية المميزة كمعارض فنية وعرض السلع التراثية والتقليدية لكل محافظة.

قد يهمك ايضا

نصائح ثمينة يجب مراعتها في إختيار" أرضيات الحمام"

تعرفي على طرق مختلفة لترتيب المطبخ الصغير