أكد باحثون في الفن العيساوي الصوفي اليوم الثلاثاء بميلة على أهمية "الاهتمام أكثر بجانب التوثيق الفني و النصي و البحث العلمي في الطبعات القادمة للمهرجان الذي تحتضنه ميلة سنويا حفاظا على التراث الثقافي و الحضاري الوطني". وفي هذا الإطار أوضح الأستاذ سعيد جاب الخير أن مهرجان ميلة الذي دخل هذه السنة طبعته الثامنة "ليس لقاء لدراسة التصوف و الطريقة العيساوية بقدر ما هو مهرجان وطني يعنى بالمحافظة و التوثيق للتراث الفني و الثقافي المرتبط بهذه الطريقة و التي برزت أكثر من غيرها في مجال إعطاء الأهمية للفن و الموسيقى و العمارة التي تعني عند هذه الطريقة الرقص". ونشط ذات الأستاذ إلى جانب الباحث في التراث اللامادي أحمد بن الصغير ندوة مفتوحة بدار الثقافة لمدينة ميلة حول آفاق سير المهرجان الوطني للعيساوة حضرها بعض المشاركين في هذه الفعاليات و كذا مهتمين بالتراث الصوفي و العيساوي. ومن الضروري برأي الباحث أحمد بن الصغير أن يرتقي هذا المهرجان في المستقبل إلى مستوى معين يمكنه في قادم الطبعات من نشر "سفينة" ومعناها مختارات قصائد و نوبات و دخلات من التراث العيساوي في كل طبعة حتى يمكن حفظها وضمان استمرارها لصالح الأجيال القادمة . ويقتضي الحال أيضا -حسب هذين الأستاذين- تحسين انتقاء الفرق المشاركة في المهرجان وتخصيص جوائز مالية معتبرة لأحسنها بما يزيح عن المهرجان صبغة الهواية إلى العمل الاحترافي الناجح و الناجع إضافة إلى ضرورة الاختيار الجيد لتوقيت إقامة المهرجان وبرمجة السهرات في الأوقات المناسبة لها قصد ضمان الحضور الكبير. كما يستدعي الأمر -وفقا لنفس المصدر- طبع نصوص المهرجان من محاضرات و ندوات وتخصيص فقرات خاصة بالتراث الصوفي النسائي مثلما هو الشأن بالنسبة لفرقة "الفقيرات" لمدينة قسنطينة و التي سبق لها المشاركة في الطبعة الماضية من هذا المهرجان . ورغم كون المهرجان يكتسي طابعا وطنيا بحثا إلى أن بعض الحضور اقترح استضافة فرق مغاربية ودولية تعمل في المجال الصوفي و العيساوي قصد ضمان الاحتكاك و الفرجة و أكثر للجمهور الوافد . و من جهته ألح الشيخ البوزيدي من إحدى زوايا تلمسان على أهمية بذل جهد تحضيري واسع تجاه المجتمع المدني و الجمعيات لضمان إقبال كبير افتقد إليه المهرجان هذا العام. وقد كانت السهرة الخامسة لهذا المهرجان (الاثنين الماضي) بحق أفضل سهرات هذه الفعاليات من حيث الأجواء و الإقبال حيث ألهب فيها الفنان القسنطيني القدير زين الدين بوشعالة مشاعر الجمهور الحاضر بدار الثقافة مبارك الميلي بمدينة ميلة. وقد أدى بوشعالة بالمناسبة مقاطع جميلة من الفن العيساوي القسنطيني المعروف و الممزوج بالمالوف القسنطيني ذائع الصيت وهو ما كان له وقعه الرائع على جمهور متعطش حضر للمهرجان و من بينه جموع من طالبات الإقامة الجامعية بميلة. وصرح بوشعالة في نهاية الحفل أنه ممنون لهذا الجمهور الجميل المندمج كلية مع الإيقاع العيساوي معربا عن استعداده دائما للتواجد بميلة و تقديم أفضل ما لديه من فن وإبداع رفقة الفرقة الراقية التي ترافقه . وشهدت السهرة أيضا إرتفاعا في الإيقاع الفني خلال أداء فرقة جمعية العيساوة لمدينة سوق أهراس بطابعها المماثل لما هو معروف في تونس. و بدورهم عرف السوقهراسيون الذين يشتهرون بهذا الفن الجميل كيف يلهبون مشاعر وأحاسيس الحضور وهو ما كان له الوقع الجميل على هذا الأخير. و لم تشذ فرقتا الأغواط و المدية و اللتان افتتحتا أجمل سهرات المهرجان في طبعته الثامنة عن القاعدة بعروض جميلة ارتبطت بالطبوع الفنية المحلية .