وزارة الثقافة

حتفلت وزارة الثقافة، ممثلة في جهاز التنسيق الحضارى، مساء اليوم، بالإنتهاء من إعادة ترميم وإحياء قرية "القرنة" التى صممها المهندس الشهير الراحل حسن فتحى بالأقصر، بمقر الجهاز بالقلعة، بحضور حشد كبير من المسئولين والشخصيات العامة والمعماريين والاعلاميين.

ورحب المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى بالحضور، وبالانتهاء من ترميم واعادة بناء القرية، مؤكدا حرص الدولة على الحفاظ على التراث المعماري، وتجديد وتجميل المبانى التاريخية في كل أنحاء مصر.

وأوضح محمد أبو سعدة، أن القرية سبق وتعرضت للتلف والإهمال، ولكن جهاز التنسيق الحضارى قام بترميم وإعادة تأهيلها، بالتعاون مع الجامعة الأمريكية ومنظمة اليونسكو.
وأشار محمد أبو سعدة، إلى أن الجهاز وضع شروطا على المبانى التى ستقام بجوار قرية حسن فتحى، حتى تناسب تصميم القرية لتخلق شكلا جماليا أنيقا، مضيفا أن الجهاز سيعمل على بناء مدرسة بالقرية لتعليم فنون العمارة التى أبدعها حسن فتحى، إضافة إلى أن هذه المدرسة ستصبح مكانا للتدريب ولإقامة الورش الفنية.

من جانبه، استعرض الدكتور طارق والى استشارى مشروع قرية القرنة، المشاكل والتصدعات التى لحقت بالقرية، والجهود الهندسية والفنية التى بذلتها مصر بالتعاون مع اليونسكو والجامعة الأمريكية من أجل اتمام عملية البناء والتطوير واستعادة الشكل الجمالي والتاريخي على الوجه الذى صممه المعماري الراحل حسن فتحى.
وقام المهندس محمد أبو سعدة بافتتاح معرض للصور الفوتوغرافية عن القرية قديما وحديثا، وتم عرض فيلم تسجيلى عن المعمارى الراحل حسن فتحى، وفيلما آخر عن "القرنة"، قبل وبعد الترميم.

ويرجع تاريخ بناء قرية القرنة (غرب مدينة الأقصر جنوب مصر)، إلى عام 1946م، حين بدأ حسن فتحى العمل فيها، وحازت شهرة عالمية بسبب كتاب "عمارة الفقراء"، الذي يسرد فيه حسن فتحى قصة بنائها، وأنشئت القرية لاستيعاب المهجرين من مناطق المقابر الفرعونية بالبر الغربي لإنقاذها من السرقات والتعديات عليها، وخصوصًا بعد أن اكتشف المختصون وعلماء الآثار سرقة نقش صخري بالكامل من أحد القبور الملكية، فصدر قرار بتهجيرهم من المقابر، وإقامة مساكن بديلة لهم.

وخصّصت الدولة حينئذ ميزانية قدرها مليون جنيه لبناء قرية القرنة الجديدة، وتم اختيار الموقع ليكون بعيدًا عن المناطق الأثرية وقريبًا من السكك الحديدية والأراضي الزراعية.
وبدأ حسن فتحي المرحلة الأولى من مشروع بناء القرية ببناء 70 منزلًا، بحيث يكون لكل منزل صفة مميزة عن الآخرين حتى لا يختلط الأمر على السكان، واعتمد في تصميم المنازل على الخامات والمواد المحلية، وظهر تأثّره بالعمارة الإسلامية، وكانت للقباب تصميمها الفريد والتي استخدمت بدلا من الأسقف التي تعتمد على الألواح الخشبية أو الأسياخ الحديدية المعتادة، وتم تخصيص بابٍ إضافيٍ في المنازل للماشية، التي يقتنيها سكان المنطقة، كنوع من أنواع العزل الصحي، حفاظًا على سلامة الأفراد.

وشُيّدت ثلاث مدارس بالقرية؛ الأولى للأولاد والثانية للبنات، أما الثالثة فكانت مدرسة لتعليم الحِرف اليدوية التي أشتهرت بها منطقة القرنة، مثل الألباستر والغزل والنسيج وصناعة منتجات النخيل، كما حاول من خلال هذه المدرسة الحفاظ على روح الإبداع الفرعونية في الأجيال الجديدة.

ومثلما اهتم فتحي بالجانب التعليمي لم يغفل الجانب الديني الذي يميز أهل القرية، أو الجانب الترفيهي لتعويضهم عن منازلهم التي تم تهجيرهم منها عنوة، حيث عمل فتحي على إنشاء مسجد كبير في مدخل القرية حمل أجمل النقوش المعمارية في تصميمه، حيث تأثر فيه بالفن المعماري الطولوني ممتزجا مع الفن الإسلامي في العهد الفاطمي. وفيما يخص الجانب الترفيهي قام فتحي بإنشاء قصر ثقافة حمل اسمه، ومسرحًا مبنيًا على الطراز الروماني، إلى جانب حمام سباحة.

جدير بالذكر أن حسن فتحي (23 مارس 1900 - 30 نوفمبر 1989) ولد بالأسكندرية، وتخرج من المهندس خانة (كلية الهندسة حاليًا) بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا). واشتهر بطرازه المعماري الفريد الذي استمد مصادره من العمارة الريفية النوبية المبنية بالطوب اللبن ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعثماني. وتعد القرنة التي بناها لتقطنها 3200 أسرة جزءا من تاريخ البناء الشعبي الذي أسسه بما يعرف عمارة الفقراء. وفي 23 مارس 2017، احتفلت شركة جوجل بذكرى ميلاد المعماري الشهير حسن فتحي الـ "117" وذلك من خلال شعار احتفالي خاص ظهر على موقعها المخصص للبحث في الدول العربية والعديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا الجنوبية، وقالت جوجل أن حسن فتحي كان مهتما ببناء المجتمعات أكثر من تشييد المباني، وأن الراحل كان رائدا في تقديم نماذج لمباني تحترم تقاليد الأماكن وتراعي جميع مناحي الحياة.