تتنافس الدول في سباق محموم نحو إيجاد مصادر بديلة للطاقة تعزيزاً لاستقلالها، إلا أن الرهان الأكبر في ذلك السباق بات يتمحور حول كيفية توفير الطاقة بطرق صديقة للبيئة. ووسط تسارع الخطى نحو الإفادة من استخدامات الطاقة النووية المختلفة، تعتزم بريطانيا بناء ثالث محطة نووية تحوي مفاعلين بتصميمات حديثة في منطقة هينكلي بوينت بمقاطعة سومرست.  وفي هذا الإطار يؤكد المسؤولون البريطانيون تطلعهم إلى بناء المفاعلين الجديدين بمواصفات متطورة تحقق متطلبات الأمان والإنتاجية العالية بأقل التكاليف، واضعين نصب أعينهم جميع الإخفاقات التي مر بها مفاعل فوكوشيما الياباني، عندما استطاع القائمون عليه بنجاح إطفاء مولد الطاقة النووية فيه لدى تعرضه للهزة الأرضية، إلا أن موجة تسونامي عملت على تعطيل مولدات الديزل الاحتياطية، ما أدى إلى إغلاق نظام التبريد، وبالتالي رفع درجة حرارة المفاعل النووي وانفجاره.  ومن المقرر أن تشرف وكالة "إي دي أف" للطاقة، وهي أحد أكبر مزودي الطاقة في بريطانيا، على بناء المشروع، الذي ستتملك الصين نصفه. ويقول الخبراء إن الشركة الفرنسية العملاقة للطاقة "أريفا" هي التي ستشرف على بناء المفاعلين، وذلك على غرار المفاعلات الأوروبية المضغوطة المعروفة اختصاراً باسم "إي بي أر"، التي تتميز باستخدام المياه المضغوطة بشكل يحيط بمركز المفاعل، بحيث تمنع ارتفاع حرارته تحت مختلف الظروف.  وذكرت مجلة "نيو ساينتست"، في تقرير نشرته حول هذا الموضوع أخيراً، أن التصميم متميز بشكل واضح عن المفاعلات النووية التقليدية، الأمر الذي يرفع من كلفة إنشائه. وتقدر تكلفة المفاعلين المزمع انشاؤهما في بريطانيا بـ 14 مليار يورو، ومن المتوقع أن يوفرا ما نسبته 7% من الطاقة الكهربائية التي تستهلكها بريطانيا. وتعمل هذه التصميمات على الاستفادة القصوى من الوقود المستخدم لتشغيلها، بحيث تنتج طاقة كهربائية أكبر بوقود أقل، فضلاً عن أنها تحتاج إلى وقت أقل لاستعادة عملها، في حال تعطلت فجأة مقارنة بالمفاعلات التقليدية. كما تُقلل من التداعيات الخطرة لدى تعرضها لحوادث كبرى. وفي هذا الصدد يقول تيمثي ابرام من جامعة مانشستر في بريطانيا: "إنها من دون أدنى شك أنظمة أكثر أماناً".  وفي سياق متصل، فإن تصميم المفاعلين أكثر مقاومة لأي هجمات محتملة بالطائرات، وهي إجراءات احترازية بدأت كبرى شركات الطاقة في الانتباه إليها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقبل هجوم القاعدة على برجي التجارة العالميين والبنتاغون كانت المفاعلات النووية تبنى على أساس تفادي الطائرات النفاثة فقط، إلا أن تلك الأحداث عملت على تعزيز الاحتياطات المتخذة من الناحية البنيوية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطائرات الحديثة لها محركات كبيرة بحجم الحافلة تقريباً، وهو ما يؤهلها لاختراق جدار اسمنتي بسهولة، وعليه فإن مفاعلي هينكلي سيحاطان بجدارين اسمنتيين، سماكة كل واحد منهما تتجاوز المتر الواحد.  ولتجنب ارتفاع حرارة المفاعلين الجديدين، على غرار ما حدث في اليابان، فقد تم تزويد كل مفاعل بستة مولدات للطاقة بدلاً من أربعة، وتم بناؤه في مبان واسعة مضادة للماء. وعليه فأياً كانت الظروف يتوجب على المفاعلين احتواء الأزمة المحتملة، ففي التصميم التقليدي للمفاعلات النووية تبنى الأخيرة على قاعدة من الإسمنت بسمك 6 أمتار لمنع المادة النووية المذابة من التسرب وحرق كامل المنطقة، إلا أن المفاعلات الجديدة مزودة بقنوات خاصة محفورة داخل الأرضية الإسمنتية تسمح للمادة النووية بالتشتت. وبالنظر إلى وجود مولدات للتبريد تحت الأرض، فإنها تعمل بالإضافة إلى تلك القنوات على تبريد المادة المذابة والسيطرة عليها.  ويقول الاختصاصيون إن المفاعل لن يبدأ بتوليد الكهرباء على الفور، فقد يستغرق الأمر سنوات عدة للبدء بذلك، على الرغم من أن وكالة "أوفجيم" للغاز والكهرباء، التابعة للحكومة البريطانية، تتوقع بدء إنتاج الكهرباء بعد العام 2018.  وفي شأن ذي صلة تقول "أوفجيم" إن الكثير من المفاعلات النووية التقليدية يجب أن يتم إغلاقها، نظراً لما باتت تشكله الأعطال المحتملة فيها من مخاطر حقيقية، وعلى الرغم من قلتها حتى الآن، إلا أنها قد تتضاعف لأربع مرات بين العام الحالي والعام 2015.  ومن الناحية الاقتصادية، ترتفع تكلفة إنشاء هذا النوع من المفاعلات نتيجة التكنولوجيا المتطورة المستخدمة فيه، التي تقلل من انبعاثات الطاقة المضرة، فضلاً عن ارتفاع درجة أمانها، الأمر الذي قد ينعكس على أسعار الطاقة المستهلكة محلياً ارتفاعاً، والتي هي في ازدياد أصلاً، وبخاصة على امتداد القارة الأوروبية. وفي ظل السعي الدؤوب نحو إيجاد بدائل للطاقة التقليدية، على الرغم من ارتفاع تكلفتها، يرى الخبراء أن الطريق الوحيد لإيجاد تكلفة نووية معقولة، هي عبر بناء مفاعلات أكثر من النوع ذاته، تعمل على تحقيق وفرة اقتصادية.  التزمت بريطانيا بتقليل انبعاثاتها من غازات الدفيئة في الجو بنسبة 80% بحلول العام 2050، وذلك مقارنة بمعدلات العام 1990. ويعد بناء مفاعلي هينكلي خطوة مهمة في هذا الاتجاه، على الرغم من صدور تقارير تشير إلى ارتفاع نسبة الانبعاثات في بريطانيا عام 2012. ولمحافظة الأخيرة على تقدمها نحو الهدف المنشود عام 2050، أشارت الهيئة البريطانية لمتابعة التغيرات المناخية إلى ضرورة إنشاء شبكة لإنتاج الطاقة الكهربائية صديقة للبيئة بحلول العام 2030. الأمر الذي يتطلب بناء الكثير من المفاعلات النظيفة للطاقة على هيئة مفاعلي هينكلي، خلال السبعة عشر عاماً المقبلة.