حي العيزرية في القدس

 اليوم تراب القدس الدافىء احتضن هذا الجسد الغض، والعيزرية ودّعت فتاها في عرس لم تشهد له ضواحي العاصمة مثيلا من قبل. ثماني رصاصات حاقدة اخترقت جسم “نسيم” الضئيل حجما والكبير أثرا، الصغير عمرا والعظيم مجدا وخلودا في وجدان شعب كامل.

اليوم رأيت مئات الفتية من عمر نسيم وأصغر قليلا أو أكبر قليلا، يلبسون قمصانا وبلايز كتب عليها “مجموعات الشهيد نسيم أبو رومي” … سيخلدونك باقتفاء اثرك يا نسيم، ورأيت وسمعت عشرات النسوة والفتيات يطلقن الزغاريد فور دخول موكب “نسيم” بلدته العيزرية قادما من أبو ديس.. أي قشعريرة سرت في أبدان آلاف المشيعين، واي نموذج للبطولة هذا الذي تجتمع القرى والبلدات من أجل وداعه.

وإذا كانت التقاليد تحرم النساء والفتيات من المشاركة في الجنازات إلا على استحياء، فإن “صمود” الفتاة الصغيرة الشجاعة .. شقيقة نسيم .. التي صرخت في وجه الجنود تطالب بجثمان أخيها وبصقت على أحدهم.. كانت محمولة على الأكتاف كأبيها “مكافح” تماما تهتف وتصيح فتؤجج في النفوس الغضب والحماسة.

أما مكافح الذي تعرف البلاد والسجون شجاعته وصلابته، ورفيقة دربه دارين فقد تحملا كل ما جرى ببطولة استثنائية.. أفاضا على جثمان نسيم الصغير حبهما كما فعلا في حياته، اسلما قلبهما وروحهما للتراب لينتهي فصل من معاناة الثلج والاحتجاز وتبدأ بعدها معاناة من نوع آخر سترافقهما مدى الحياة لن يخففها إلا أولئك الذين سيقتفون أثر نسيم على طريق الحرية.