بيروت – جورج شاهين
دان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط استمرار بعض القادة العرب ممن يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى فئة القادة والمسؤولين اليوم لو يتمثلون بما قام به عبد الناصر بدل أن يتمسكوا بالسلطة فوق أشلاء شعوبهم وفوق ركام مدنهم وقراهم، مستذكرا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اعترف بهزيمة العام 67 فمحضته الشعوب العربية ومصر ثقتها، وكم كان عبد الناصر متبصراً في موقفه من جماعة “الإخوان المسلمين” منذ ستينات القرن الماضي عندما علم مشاريعهم وأعمالهم ومخططاتهم وحذر منها ومن مفاعيلها، في حين أصر الغرب، ولا يزال حتى يومنا هذا، على إحتضان الاخوان المسلمين ودعمهم في مواجهة القوى والتيارات القومية والليبرالية والديمقراطية.
وقال جنبلاط في موقفه الأسبوعي لجريدة “الأنباء” الإلكترونيّة "قلائل هم القادة من قامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذين يعترفون بخطأ ويسعون لتصحيحه ومعالجة ذيوله. فرغم امتلاكه الشخصيّة الفذّة والقويّة وعناصر السلطة والمد الشعبي غير المسبوق، وقف الرئيس عبد الناصر وسجّل للتاريخ اعترافه بتحمّل مسؤولية هزيمة العام 1967، فما كان من الشعب المصري والشعوب العربيّة قاطبة إلا أن بايعته مجدداً ومنحته ثقتها وتفويضها العارم. وشتان ما بين هذا القائد الكبير وبين بعض من يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى فئة القادة والمسؤولين اليوم لو يتمثلون بما قام به عبد الناصر بدل أن يتمسكوا بالسلطة فوق أشلاء شعوبهم وفوق ركام مدنهم وقراهم!
وكم كان عبد الناصر متبصراً في موقفه من جماعة “الإخوان المسلمين” منذ ستينات القرن الماضي عندما علم مشاريعهم وأعمالهم ومخططاتهم وحذر منها ومن مفاعيلها، في حين أصر الغرب، ولا يزال حتى يومنا هذا، على احتضان الإخوان المسلمين ودعمهم في مواجهة القوى والتيارات القومية والليبرالية والديمقراطية، لأن النظرة كانت دائماً إلى الإخوان أنهم يؤمنون مصالح الغرب بصورة أفضل، مرتكزين على مبدأ أن تيار الاسلام السياسي يعارض النظرية القومية والوطنية ويتنافى مع التعددية ويعاندها ويضعفها ويواجهها، فتحقق عندئذ بعض المصالح الغربية من خلال هذه السياسة التي تعكس تلاقي الأضداد!
وها هي مصر اليوم تمر مجدداً بمصاعب كبيرة وتحديات استثنائيّة بفعل أداء الإخوان المسلمين الذين بددوا الرصيد السياسي والشعبي الذي نالوه من خلال أدائهم السياسي الذي حاولوا من خلاله إقصاء الآخرين وإبعادهم وتهميشهم كأنهم لم يتعظوا من دروس التاريخ وأعادوا تكرار الأخطاء ذاتها.
وأكدت الثورة المصريّة الثانية أن شرعيّة الشارع تضاهي الشرعيّات الأخرى كافة وحتى شرعيّة الصندوق لأن الناس وحدها تملك القدرة على إعادة تكوين السلطة وهي المصدر الأول والأخير للشرعيّة. كما أكدت أن محاولة “أخونة” الدولة لن تنجح لأن المجتمع المصري مجتمع مدني، ولو كان متديناً، وأثبتت مجدداً أن مفهوم الشرعيّة لا يعني السلطة والتمسك بها بأي ثمن كما حاول الرئيس المعزول محمد مرسي أن يوهم الرأي العام ومؤيديه.
وكم هو عريق الجيش المصري الذي سجّل طوال تاريخه المعاصر بطولات ومحطات مشرقة على أكثر من صعيد، فهو الذي نهض في مرحلة ما بعد العدوان الثلاثي(1956) وحمى رمز السيادة المصرية في قناة السويس، وهو الذي انتقم لهزيمة العام 1967 بعد أعوام بأن اقتحم خط بارليف ونجح في العبور على قناة السويس في معارك بطوليّة، وهو الذي كان حامياً للاستقرار في مصر وتدخل عندما لحظ جنوح حكم الاخوان نحو تغيير وجهة مصر وهويتها ودورها العربي والإقليمي الكبير.
والأهم أن الجيش المصري تحسّس نبض الشارع وإصرار المصريين على عدم الانزلاق إلى نظام ديني لا يتوافق مع تطلعاتهم، فطوّر عقيدته في اتجاه حماية التجربة الديمقراطيّة وعدم السماح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء حتى ولو كان تحت مسميات مختلفة ورموز جديدة. وهو يدفع الأثمان الباهظة نتيجة مواقفه الوطنية. فهل هي مصادفة أن تتزامن أعمال التصدي المسلح للجيش في القاهرة وأعمال الشغب والهجوم على مقار الدولة وحرق الكنائس مع نصب كمائن وتفجيرات مسلحة للشرطة والجيش في بؤرة الإرهاب المتجددة في سيناء بعد سلسلة من الأحداث المشبوهة في الأهداف والتوقيت في تلك المنطقة؟
مع الأسف الشديد لسقوط ضحايا في شوارع القاهرة ومناطق مصريّة في مواجهة عبثيّة لا طائل منها، إلا أنه من الضروري متابعة تنفيذ خارطة الطريق بحذافيرها بإشراف الرئيس المصري عدلي منصور وتعاون القوات المسلحة والفرقاء السياسيين والأحزاب والتيارات الشعبيّة وحركة “تمرّد” فضلاً عن الأزهر والكنيسة القبطيّة والأحزاب الاسلاميّة والهيئات المعنيّة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة والعبور بمصر نحو الاستقرار.
وعلى الرغم من الجراح كلها التي ولدتها الأحداث المأساوية الأخيرة، إلا أنه لا مفر من استيعاب الأطراف والجماعات والتيارات كلها في إطار الحياة السياسيّة شريطة التزامها بالقوانين والأنظمة، وكما قال الفريق السيسي أن مصر “تتسع للجميع”، وهذه قاعدة انطلاق مهمة لإعادة ترميم الوضع الداخلي واستعادة الهدوء، فاستقرار الأمن القومي المصري ينعكس على المنطقة العربية وأمنها، واهتزازه يترك تداعيات سلبية على المنطقة العربيّة برمتها.


أرسل تعليقك