القاهرة - يو.بي.آى
حذَّر ناشط حقوقي قبطي من خطورة استمرار الاحتقان الطائفي في مصر على سلامة وأمن المجتمع، منتقدًا استغلال التيارات المتشدِّدة لأُميِّة الفقراء وشحنهم طائفيًا فيما يتمثَّل بالهجوم على الكنائس واختطاف فتيات مسيحيات بهدف أسلمتهن.
واعتبر إبرام لويس مؤسس رابطة "ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري"، في مقابلة مع يونايتد برس انترناشونال، أن سببين رئيسيين يغذيان الاحتقان الطائفي في البلاد هما الأمية والفقر، غير أن ما ساعد على إبراز ذلك الاحتقان على الساحة وتزايده خلال الفترة الأخيرة هو عدم فرض هيبة الدولة على التيارات المتشدِّدة التي تستثمر الأمية والفقر وتحولهما إلى مُخرجات تقوي التشدُّد بما يضر بالبلاد ومستقبلها وسلامها المجتمعي.
وانتقد لويس فكرة "جلسات الصلح العُرفية" التي تُعقد عقب وقوع أي حادث طائفي بمشاركة وجهاء وممثلي العائلات الكبيرة في أي مدينة أو قرية تشهد عنفاً طائفياً، موضحاً أن تلك الجلسات على أهميتها في ترطيب الأجواء تهدئة الخواطر، إلا أنها لا يمكن أن تزيل أسباب ذلك الاحتقان الذي يتطلب أولاً فرض هيبة الدولة.
واستطرد معبِّراً عن دهشته من عقد مثل تلك الجلسات التي تليق بالعصور الوسطي وأزمان سحيقة، في القرن الحادي والعشرين الذي يُفترض أن تكون الدولة ممثلة بأجهزتها السياسية والأمنية والقضائية متجسدة وحاضرة في كل وقت.
كما أنحى لويس باللائمة على ما وصفه بـ "تراخي" سلطات الحُكم المحلي ممثلة بالمحافظين ورؤساء المدن والوحدات القروية في مواجهة "الشحن الطائفي" المتواصل والتصدي "للعنف الطائفي" الذي يقع أحياناً بفعل ذلك الشحن، متسائلاً عما إذا كان مقبولاً أن تكون هناك قرية في مركز "ديروط" في محافظة أسيوط جنوب القاهرة مقسومة نصفين وتحمل إسمين هما "كودية النصارى" و"كودية المسلمين"؟!!
وتابع أن مثال القرية هو أحد الأمثلة على تفشي الأمية والغياب التام للسلطات المحلية، لافتاً إلى أن المتشدُّدين يستغلون الأمية بإعطاء غير المتعلمين تفسيرات بعيدة كل البعد عن التسامح الديني ما يدفع باتجاه ارتكاب أعمال عنف طائفي تتواصل حالياً ضد الكنائس ومنازل والمحال التجارية المملوكة للمسيحيين.
ويُقدِّر "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" في مصر نسبة الأمية في البلاد بـ 24.9% عام 2012.
ولفت إلى أن عاملاً من عوامل "الاحتقان الطائفي" ربما لا يمكن السيطرة عليه وهو "العامل العاطفي" بأن تنشأ علاقة رومانسية بين شاب وفتاة أحدهما مسلم والآخر مسيحي، غير أن ذلك العامل يتفاقم بمحاولة الشاب المسلم دفع الفتاة المسيحية إلى اعتناق الإسلام ربما رغماً عنها.
وأضاف أنه في هذا الصدد يجب عودة عقد جلسات "النُصح والإرشاد" التي كان معمولاً بها حتى عام 2005 بهدف التأكد أن من أن من يتحول عن دينه لا بد أن يكون نابعاً من رغبة حقيقة من دون أي تأثير من أي طرف ومن دون ممارسة أي ضغوط مادية أو عاطفية.
كان وزير الداخلية الأسبق اللواء حبيب العادلي قرَّر وقف عقد "جلسات النُصح والإرشاد" التي كانت تستضيفها مقار أمنية في المحافظات بحضور أحد ممثلي الكنيسة لمناقشة الشاب أو الفتاة الراغب في اعتناق الإسلام والتثبّت من أن تلك الرغبة غير مؤثَّر عليها بأي مؤثر.
وكان اختفاء السيدة "وفاء قسطنطين" زوجة مجدي يوسف عوض كاهن كنيسة "أبو المطامير" في محافظة البحيرة (شمال غرب القاهرة) عاملاً حاسماً في القرار بإلغاء الجلسات المذكورة بعد أن تسبب اختفاؤها في احتقان طائفي واسع باعتبارها زوجة كاهن بارز وبفعل شائعات عن إجبارها على اعتناق الإسلام وشائعات مقابلة من أنها قُتلت لاعتناقها الإسلام.
كما نبَّه لويس إلى أن عاملاً آخر ما زال قائماً ويثير غضب الجانب المسيحي وهو العودة لرئيس الجمهورية في كل شأن يخص الكنائس والأديرة من نواحي الإنشاءات والترميمات إذ لا بد من الحصول على موافقة كتابية من الرئيس على إنشاء كنيسة أو ترميم وإصلاح أي جانب من جوانب دور العبادة في استمرار لتنفيذ "الخط الهمايوني" المعمول به منذ أيام السلطنة العثمانية.
يُشار إلى أن "الخط الهمايوني" هو قانون وضعه السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1856، بهدف "تنظيم أوضاع بناء دور العبادة غير الإسلامية في جميع الولايات التابعة للدولة العثمانية".
وأشار لويس إلى أن جهوداً مجتمعية تُبذل لمحاربة الأمية خاصة من جانب الكنيسة الأرثوذكسية وجمعيات قبطية، داعياً إلى أن تترافق تلك الجهود مع نشاط أوسع لمشروع "بيت العائلة المصري" الذي اقترحه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عقب الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل عامين ونصف تقريباً.
وأضاف أن نشاط "بيت العائلة المصري" يتركز في القاهرة والمحافظات الرئيسية خاصة الأسكندرية، فيما تبدو المحافظات الحدودية (مرسى مطروح، والوادي الجديد، وسيناء) والجنوبية (بني سويف، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان) هي الأكثر احتياجاً لتواجد القيمين على المشروع بينهم باعتبار أن الأمية والبطالة تتجلى أكثر في تلك المحافظات.
وأشار لويس إلى أنه تقدَّم إلى الأنبا موسى (أسقف الشباب في الكاتدرائية المرقسية للأقباط الأرثوذكس) بمذكرة لإحياء وتفعيل مشروع "بيت العائلة المصري" من أهم مفرداته قيام شباب مسلم ومسيحي بزيارات متواصلة إلى المحافظات النائية والجنوبية للتأكيد لأهالي تلك المحافظات على أنهم ليسوا بعيدين عن اهتمامات العاصمة والقيادات الدينية، ولمشاركة السلطات المحلية بالمحافظات في العمل على إزالة مسببات الاحتقان الطائفي من جذوره، لافتاً إلى أن الأنبا موسى وافق على المذكرة وأن هناك ترحيباً من جانب الأزهر واستعداداً لدعم تلك الجهود.
وتشهد مصر منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي أحداث عنف طائفي، وتزايدت تلك الأحداث منذ صعود تيارات الإسلام السياسي وظهورها على السطح وتقلُّد عدد من المنتمين لها مناصب قيادية في الحكومة المصرية.
وقد تفاقمت تلك الأحداث باعتداءات متواصلة على عشرات الكنائس وتحطيم منازل ومتاجر عائة لمسيحيين في إطار عنف متواصل يرتكبه أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي منذ الإطاحة بنظامه بثورة شعبية اندلعت في الثلاثين من حزيران/يونيو الفائت.


أرسل تعليقك