مع الانتشار الواسع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، أصبح عدد كبير من المسافرين يعتمد عليها لتخطيط رحلاتهم، بدءاً من البحث عن الوجهات وانتهاءً باختيار المسارات والأنشطة. ورغم ما تقدمه هذه الأدوات من سهولة وسرعة في الوصول إلى المعلومات، فإن استخدامها من دون تحقق يمكن أن يوقع المسافر في مشاكل غير متوقعة، بل وقد يتحول إلى مصدر خطر حقيقي عندما تُقدَّم معلومات غير دقيقة أو مواقع مختلقة تماماً.
كان ميغيل أنخيل غونغورا ميزا، مؤسس ومدير إحدى شركات الرحلات في بيرو، في بلدة ريفية يستعد لرحلة عبر جبال الأنديز عندما overheard سائحين أجنبيين يتحدثان بثقة عن خططهما لزيارة “وادي هيومانتاي المقدس”. وعندما عرضا عليه لقطة الشاشة التي استندوا إليها، تبيّن أنها معلومات كاملة، مكتوبة بوضوح وبتفاصيل دقيقة، لكنها ببساطة غير موجودة على أرض الواقع. فالمنطقة التي ذكرتها أداة الذكاء الاصطناعي ليست سوى مزيج من اسمين مختلفين لا يجتمعان، ما دفع السائح إلى دفع مبلغ كبير للوصول إلى طريق ريفي بلا مرشد ولا وجهة حقيقية.
ويؤكد غونغورا ميزا أن الأمر لم يكن مجرد خطأ بسيط، بل خطأ كان يمكن أن يودي بحياة السائحين، نظراً لوعورة الطبيعة وارتفاعات الجبال. فالرحلات في بيرو تحتاج إلى تخطيط فعلي يراعي الظروف المناخية وصعوبات الارتفاع وسهولة الوصول إلى المسارات. وأشار إلى أن المعلومات الخاطئة التي قد تولّدها بعض أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضع السائح على ارتفاع يفوق 4000 متر دون استعداد مناسب أو وسيلة اتصال فعّالة.
وتشير دراسات حديثة إلى أن 30 في المئة من المسافرين الدوليين باتوا يعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي لتنظيم رحلاتهم، بما في ذلك منصات مخصصة لهذا الغرض. ورغم ذلك، يكتشف بعضهم عند وصولهم لوجهتهم أنهم تلقوا توجيهات غير دقيقة أو وُجّهوا إلى أماكن لا وجود لها سوى في خيال نظام ذكي.
هذا ما حدث مع دانا ياو وزوجها أثناء رحلة رومانسية إلى قمة جبل “ميسن” في اليابان. بعد اتباع التعليمات التي قدمها لهم أحد برامج الذكاء الاصطناعي بشأن مواعيد التلفريك، توصلا إلى القمة في الوقت المناسب، لكنهما فوجئا بأن التلفريك كان قد توقّف عن العمل قبل الموعد المذكور، ليجدا نفسيهما عالقين على الجبل.
وتكررت الحوادث مع مستخدمين آخرين، حيث قدمت أنظمة الذكاء الاصطناعي معلومات غير صحيحة تتعلق بمواقع معالم سياحية لا وجود لها، أو مسارات غير قابلة للتطبيق، أو توصيات تتسم بعدم المنطقية. وفي استطلاع أُجري العام الماضي، قال 37 في المئة من مستخدمي هذه الأدوات إن المعلومات التي يحصلون عليها ليست كافية، بينما رأى 33 في المئة أن جزءاً من التوصيات غير صحيح.
ويرجع ذلك إلى طريقة عمل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على تحليل كميات ضخمة من النصوص وتوليد إجابات تبدو منطقية، لكنها قد تحتوي على ما يسمى “الهلوسة”، أي اختلاق معلومات لا وجود لها. وما يزيد الأمر تعقيداً أن الاستجابات الصحيحة والمختلقة تظهر بنفس الأسلوب والهدوء، ما يصعّب على المستخدم العادي اكتشاف الخطأ.
وتتوسع تأثيرات الذكاء الاصطناعي اليوم لتشمل جوانب أخرى من الحياة الرقمية، إذ ظهرت مؤخراً حالات قام فيها الذكاء الاصطناعي بتعديل مقاطع فيديو دون علم أصحابها، أو إنتاج محتويات كاملة لوجهات وهمية تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تضليل عدد من المسافرين. كما واجهت شركات إنتاج إعلامية مشكلات كبيرة بعد اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لإعادة إنتاج محتوى بصري قديم نتج عنه ظهور تشوهات غريبة.
ومع ازدياد هذه المشكلات، يخشى متخصصون في الصحة النفسية من أن تفقد تجربة السفر قيمتها الحقيقية المتمثلة في التواصل المباشر مع الآخرين واستكشاف ثقافات مختلفة. فالاعتماد على صور ومعلومات مختلقة يخلق لدى المسافر تصوراً زائفاً عن العالم.
تُناقش عدة دول حالياً مقترحات لسن قوانين تُلزم جهات التقنية بإضافة علامات مائية أو إشارات تتيح للمستخدمين معرفة ما إذا كانت صورة أو مقطع فيديو أو محتوى معين قد تم إنتاجه أو تعديله بواسطة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يرى خبراء أن المعركة ضد المعلومات المضللة ستكون طويلة، وأن الحل الأكثر فعالية حالياً يكمن في يقظة المستخدم نفسه.
ويُوصى من يرغب في استخدام الذكاء الاصطناعي لتخطيط رحلاته بأن يكون دقيقاً جداً في طرح الأسئلة، وأن يتحقق من كل معلومة عبر مصادر موثوقة. ورغم أن ذلك قد يعني بذل جهد إضافي، إلا أنه يبقى ضماناً أساسياً لتجنب الوقوع في مواقف مزعجة أو خطيرة، ويعيد عملية التخطيط إلى مستوى قريب مما كانت عليه قبل ظهور هذه الأدوات.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
إلغاء رحلات جوية بإيطاليا نتيجة احتجاجات ضد دعم حكومة ميلوني لـ إسرائيل
مشكلة برمجية في طائرات إيرباص A320 تربك حركة المسافرين عالميًا
أرسل تعليقك