توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"لمبيدوزا" سراب الحالمين

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - لمبيدوزا سراب الحالمين

الجزائر - وكالات

تلوح "لمبيدوزا" من بعيد نتوءا صخريا جافا في وسط البحر المتوسط، هي كذلك في الواقع، لكنها ليست كذلك للفارين إليها فهي بوابة الحلم الأوروبي لجموع "حراكة" صنعوا منها في مخيلتهم عتبة الجنة الأولى للخلاص من عذابات الشرق، بعد أن لفظتهم أوطانهم بقسوة.لكن الجنة الموعودة تستعصي على شخوص رواية "لمبيدوزا" للمغربي عبد الرحمن عبيد، ويتآمر البحر على إجهاض حلم كانت دونه عذابات كثيرة في مدن الطرف الآخر المعذب من العالم، ليرضى حالمون وقد استعصى عليهم الحلم، وتاه المركب من الحلم بالإياب وبغصة كبيرة أيضا. على المركب -الذي يعاني من عواصف هوجاء متجها إلى إيطاليا- يجمع عبد الرحمن (السارد) خليطا من بلدان المغرب العربي ومشرقه أيضا، رأى في شطر العالم الآخر ما يحقق إنسانيته المهدورة، وما يفي بمتطلبات حياة كريمة استحالت في بلادهم. وفي الجزء الخاص بتلك الرحلة المحمومة، يكثف عبيد لغته لتحاكي مشاهد سينمائية عن البحر وقسوته، وذاكرة تحكي رحلة شقاء قطعها من المغرب إلى ليبيا وتونس. وفي ليبيا يروي السارد حكايات لمعذبين فارين من السودان وتشاد ومصر والجزائر يفترشون شوارع طرابلس وأزقتها باحثين عن باب موارب لعيش ضنت به الأقدار في بلادهم، لكنه بدا أيضا سفرا طويلا من العذاب في البلد النفطي. في الرحلة البحرية تلك، يتيه البحارة عن حلمهم الذي داعب على البر عبد الرحمن بأن يعانق فيه تمثال جولييت بفيرونا، وأن "يحالفني الحظ فيمنحني فرصة لقاء الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو"، وبدلا من أن يصل إلى أحلامه تلك، يعود أدراجه إلى محطة الانطلاق في تونس ومن بعد إلى ليبيا التي غادرها، وقد وقع ضحية احتيال من فنان جزائري أوهمه بالعودة إليها، لكنه يكتشف هناك أنه تركه لأقداره ودين لصاحب الفندق الذي أقاما فيه. وليبيا التي عاد إليها عبد الرحمن كانت محطته الأولى إلى لمبيدوزا، فيها عرف الشقاء وهو الطالب الجامعي "كاره الأيديولوجيا" التي تتكثف في كل تفاصيل ليبيا أثناء حكم القذافي، وفيها يشاهد صورا من العنصرية وعذابات الوافدين إليها، على أن تلك الصور المؤلمة لا تعدم وجود مشاهد حميمية، كالتي جمعته بمغاربة وسودانيين ومصريين وعراقيين لهم مثله أحلامهم التي وئدت. كان قد وصل إليها وليس من رغبة تعانقه في الإقامة في حواريها ومدنها طويلا، كل ما في الأمر توفير قليل من المال يكفي لرحلة الأحلام إلى إيطاليا، ومنارتها الأولى "لمبيدوزا"، وهناك يضن البلد الغني بكنوزه على الوافد الحالم، فيعمل في محطة لغسل السيارات، وبائعا على الأرصفة ويعيش متطفلا هنا وهناك. وحين يتوفر القليل لرحلة الخلاص! ويركب البحر متكوما على أرضيته مع مجاميع من الفارين يخذله البحر الهائج الذي كانت تطرزه قصائد شعر قبل ركوبه. وفيه يدرك "أنه مجرد بشر ضئيل، ضائع في البحر يتوقف وجوده على خشبة، حسدت النورس لأنه نورس يسبح في مملكته وأنا مجرد دودة على عود". تضيع من البحارة "لمبيدوزا" وتصبح "الأولوية لمقارعة الموج وتفادي انقلاب المركب"، وإذ تصبح تلك الحقيقة التي تتراءى لعبد الرحمن وفي حوار مع الذات يقرر الحقيقة لنفسه: "أيقنت أن لمبيدوزا ضاعت منا، وأننا خضنا في البحر كثيرا، لم يعد يهمني الوصول إليها أو إلى أي من فراديس وهمي، منتهى مناي أن أنبطح على تراب ناشف حتى ولو كان تراب الربع الخالي". بعد عذاباته الطويلة على البر والبحر، يقرر عبد الرحمن عبيد وقد عاد إلى المغرب خلاصة حكمة انتزعها من براثن عذاباته: "ربما كنت غبيا، ذهبت للبحث عن السراب وتركت مبتغاي قريبا جدا مني، ولم أنتبه، لن تهزمني غواية الحلم بعد اليوم لتأخذني إلى شفير الموت والارتزاق في ديار الآخرين".

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمبيدوزا سراب الحالمين لمبيدوزا سراب الحالمين



GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon