توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التكنولوجيا.. رحمة أحيانا باطنها العذاب!

  مصر اليوم -

التكنولوجيا رحمة أحيانا باطنها العذاب

بقلم - ســناء صليحــة

 كان يا ما كان وقبل نصف قرن تحديدا، كان دخول التليفون لأى منزل حدثا يستحق الاحتفال، وكان محاولة الاستئثار به لعبة جديدة يلفت انتباه أفراد الأسرة جميعا وتحول المنزل لساحة سباق يتبارى الصغار فيها لنيل شرف التقاط السماعة والرد بكلمة «آلو».. وفى حالة إذا ما كان المتصل قريبا أو معروفا لإفراد الأسرة يلتف الجميع حول الجهاز السحرى محاولين الاستئثار بالسماعة لدقائق!! ..لكن هذا ما كان.. أما «اللى صار» كما قال الشيخ سيد درويش فى ألفيتنا الثالثة وبعد أن أصبح فى يد كل فرد من أفراد الأسرة هاتفا محمولا لا يكاد يرفع عينيه عنه ويلازمه حتى أثناء تناول الطعام تحولت التكنولوجيا التى جمعت الناس وقربتهم فى سالف العصر والأوان لما يشبه الستار الذى يحول دون تواصل إنسانى مباشر وتراجعت لصالح نوع آخر وهمى مصطنع ، بقدر ما سهل الاتصال بقدر هدد العلاقات الإنسانية وخلق حالة أطلق عليها بعض العلماء «عزلة جماعية»!..

فرغم أن خدمات وإنجازات تكنولوجية حقق البعض لا يجوز لمنصف أن ينكرها، خاصة أن التطور شرقا وغربا جعل من أجهزة الكومبيوتر أداة لتسهيل الحياة، إلا أن على حد تعبيرنا المصرى الدارج «الحلو ما يكملش!!».فالتكنولوجيا التى يسرت الحياة لأبناء الدول المتقدمة والتى ننقل اليوم فى بلادنا بعض قشورها تحمل فى طياتها سلبيات تؤثر على قدرات البشر! فبعد سلسلة من الدراسات التى أجراها  بعض المتخصصين فى علم الاجتماع والدراسات النفسية  عن أثر تفاعل الناس مع التكنولوجيا الحديثة على العلاقات الاجتماعية، اتضح أن إدمان استخدامات التكنولوجيا حالة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!..

فى كتابها «عزلة جماعية» ترصد باحثة علم الاجتماع بمعهد ماسوشتيس التكنولوجى «شيرى تركل» طرق تفاعل الناس مع منتجات التكنولوجيا الحديثة، فتقول «اغلب الظن انك تمتلك سمارت موبايل ولديك صفحة على الفيس بوك وتويتر، والمؤكد انك كثيرا ما تضبط نفسك متلبسا بتجاهل صديق أو قريب يجلس معك فى نفس الغرفة لأنك منهمك تماما فى الحملقة فى شاشة السمارت فون.. هذه التكنولوجيا الحديثة التى تمنحك شعورا بأنك لست وحيدا وتطرد عنك الملل وتجعلك تتواصل مع أناس تفصلك عنهم بحار ومحيطات، تحرمك فى خلوتك متعة التأمل والتواصل مع ذاتك ومع أقرب الناس إليك».

وتقدم شيرى نماذج لحالات أظن أن ما من أحد منا إلا وشاهدها أو عايشها بنفسه، فتشير لانشغال أبناء الألفية الثالثة بشاشة السمارت فون أثناء تناول العشاء وفى المواصلات العامة وحتى فى قاعات الدرس، فتقول أنها لاحظت أثناء إلقاء محاضراتها أن الطلبة يتحينون الفرصة للنظر فى السمارت فون ومتشابهاته من الأجهزة، الأمر الذى بقدر ما استثار غضبها بقدر ما شحذ فضولها ودفعها لإجراء عديد من أبحاثها لتكتشف أن حالة الانفتاح على العالم عبر التكنولوجيا الحديثة زادت من عزلة البشر وبسببها تفاقم إحساسهم بالوحدة والوحشة.

وتشير شيرى إلى أن الإنسان يحتفى دائما بأى اختراع جديد، فهذا ما حدث عند اختراع الطباعة وظهور الراديو والتليفزيون، لكن المخترعات السابقة لم تقتحم الإنسان أو تؤثر على عملية تواصله مع الآخرين كما يحدث الآن مع منتجات العصر الحديث ولم تكن بنفس درجة الخطورة. فعندما كانت العائلة تجتمع حول جهاز التليفزيون أو الراديو ليشاهدوا أو يستمعوا لنفس البرنامج كانوا يعلقون عليه أو ربما ينشب الشجار لرغبة فرد مشاهدة فقرة ما، هذه النوعية من الممارسات كانت تتولد عنها حالة تفاعل وتواصل بين البشر، فيظل الحوار موصولا.

 وتقول تركل فى كتابها أنها ليست ضد استخدام منجزات العلم لتسهيل الحياة ولكنها لاحظت من خلال دراساتها ولقائها بمئات الأشخاص من مختلف الأعمار على مسافات زمنية ممتدة أن التكنولوجيا الحديثة تخلق إحساسا زائفا بالتواصل وتقلل قدرة الإنسان على التواصل الطبيعى مع البشر وتحرمه فرصة التواصل مع ذاته وتأمل ما يجول بأعماق نفسه. وما زال للحديث بقية..


نقلا ع الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التكنولوجيا رحمة أحيانا باطنها العذاب التكنولوجيا رحمة أحيانا باطنها العذاب



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon