توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بى بى سى».. شهادة من الداخل

  مصر اليوم -

«بى بى سى» شهادة من الداخل

بقلم - محمد سعيد محفوظ

فى بداية عملى بهيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى) عام 2005، التحقت مع غيرى من الموظفين الجدد بورشة تدريب، كان الهدف منها تعريفنا بالأقسام المختلفة، وخطوات صناعة المحتوى، وآلية التعامل مع أنظمة البث، وإمكانات البحث، وغيرها.

فى جزء من هذه الورشة المطولة كان علينا أن نتعلم كيفية استدعاء المعلومات من أرشيف (بى بى سى)، وحين جاء وقت التجربة اختار عدد من الصحفيين المصريين- وأنا منهم- أن نستخرج ما تحتفظ به ذاكرة (بى بى سى) عن العلاقة بين مصر وإسرائيل عبر التاريخ، وما إن ضغطنا على زر البحث، حتى هالنا ما رأينا.

كان أرشيف (بى بى سى) يصف حرب 1973 بـ«هزيمة المصريين أمام الجيش الإسرائيلى».. راجعنا موضوعات أخرى تعالج نفس الملف من زوايا مختلفة، فلم نجد غير هذا الوصف المخالف للحقيقة، بشأن حرب يدرك العالم كله أن مصر خرجت منها منتصرة، وأن إسرائيل خرجت منها ذليلة!.

نصحنا الزملاء القدامى بتقديم شكوى رسمية عبر مسارات إدارية وقانونية تحددها لوائح المؤسسة، وبعد أن تحقق المسؤول من صحة الواقعة، تم التصويب، وعوقب المحرر المضلل الذى لم نتفاجأ حين علمنا فيما بعد أنه يهودى!.

خلاصة الدرس الذى تعلمناه منذ أيامنا الأولى فى (بى بى سى) أن الخطأ وارد، لكن النظام الصارم فى المؤسسة يضمن التصويب الفورى، وإدانة المخطئين.

ولكى تدرك مدى صرامة هذا النظام، يكفى أن تعلم أن غالبية الوجوه التى كشفت عن انحيازاتها الفكرية والسياسية على قناة الجزيرة خلال السنوات الأخيرة، خرجت من عباءة (بى بى سى)، لكنها لم تكن تجرؤ على أن تتفوه بكلمة خارج النص خلف أو أمام الميكروفون خلال عملها فى هيئة الإذاعة البريطانية.. كنا نشم فى بعضهم رائحة الإخوان، لكن سياسة الثواب والعقاب كانت تقمع أى نية لديهم للتأثير على الأخبار أو توجيهها، كما أن الجو المهنى العام كان يفرض سطوته دائماً!.

وعلى مدار خمس سنوات هى عمر رحلتى فى (بى بى سى)، خاض المعتدلون من صحفيى القسم العربى- وهم أغلبية- معارك مهنية عدة مع الإدارة الإنجليزية للمؤسسة، ربما كان أشدها معركة غزة عام 2009، حين اتخذ المدير العام قراراً بمنع بث إعلانات التبرع للفلسطينيين خلال وأثناء الاجتياح الإسرائيلى للقطاع، مما دفع صحفيى (بى بى سى) للتهديد بالإضراب، وتسبب فى احتجاج بعض أفراد الجمهور أمام مبنى المؤسسة فى إجتون هاوس وقذفه بالحجارة.

كنا نعلم أن هناك تيارا داخل (بى بى سى) يسعى لتمرير أفكار وسياسات تخدم مصالح دول كبرى، على حساب القواعد التى تتبناها (بى بى سى)، منذ عقود، لكن الأمر لم يكن يتطلب منا سوى اليقظة، وعمق النظر، والتسلح بالمهنية، والروح القتالية من أجل الحفاظ على هيئة الإذاعة البريطانية، كنموذج إيجابى ينبغى أن يستمر!.

لذلك أرى أن تجريم ومقاطعة (بى بى سى) فى مصر سيقضيان على جبهة وطنية نحتاج إليها داخل وسيلة إعلامية مؤثرة فى الغرب، تضم صحفيين وطنيين مخلصين للمهنة وقادرين على تطهير المؤسسة من الداخل.. أعلم مقدار الصدمة التى أصابت زملاءنا فى مكتب (بى بى سى) العربية بالقاهرة بعد إذاعة الوثائق المغرضة للمراسلة (أورلا جيورين).. وأنتظر من المسؤولين العقلاء فى المؤسسة إجراءات توضيحية للسلطات فى مصر، لعدم معاقبة الصحفيين المصريين فى القاهرة ولندن بجريرة عمل يعلمون جيداً مدى حماقته، وتجاوزه لكل أصول المهنة.

أثق بأن بإمكان مكتب القاهرة مدعوماً بالصحفيين المصريين فى لندن- إنتاج فيلم وثائقى آخر يصف الوضع فى مصر بتوازن وحياد، مستوفياً كل الأبعاد والزوايا والمصادر، لكن مثل هذا العمل لن ينجح دون تشجيع من السلطات المصرية، وعلى رأسها الهيئة العامة للاستعلامات.

علينا أن نفتح حواراً مع المهنيين فى كل الوسائل الإعلامية الدولية.. نحن بحاجة إلى اعتدالهم ونزاهتهم وخبراتهم.. إننى أختلف مع الذين ينادون بمقاطعة خصومنا فى الإعلام.. لو نجحت المقاطعة فى السابق ما استمرت الحرب الإعلامية حتى الآن.. ولو كانت المقاطعة سلاحاً رادعاً، لكانت الجزيرة وقنوات الإخوان فى طى النسيان.. إننى مع الفريق الذى يرى أن الدعوة للمقاطعة دعاية وأن كل ممنوع مرغوب، وأن الإنترنت أصبح ظهيراً شعبياً خارج السيطرة، وأن التكيف مع متغيرات العصر ليس ضعفاً، بل حنكة ودهاء!.

ما نحتاجه حقاً هو الارتقاء بمهنية الإعلام المصرى، والتواصل مع كل مهنى وطنى يحمل الجنسية المصرية فى الخارج، حتى نكون قادرين على مواجهة هذه الحرب الإعلامية الشرسة بنفس أسلحتها.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بى بى سى» شهادة من الداخل «بى بى سى» شهادة من الداخل



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon