بقلم - جمال فهمي
قبل ما يزيد قليلا عن ثلاث سنوات فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوجان العالم بواحدة من عربداته التي تفضح عداءه المتأصل لقيم الحرية والتقدم عموما، إذ تناقلت وسائل الإعلام آنذاك خبرا يقول إنه أصدر فجأة أمرا بوقف عرض واحدة من أشهر وأجمل روائع »وليم شكسبير»، مسرحية »ماكبث»!!
طبعا أردوجان غالبا لم يقرأ نص مسرحية »ماكبث» أصلا، وربما لم يسمع باسمها قط، بدليل أنه تركها تعرض لمدة شهرين قبل أن يوقفها، إذ يبدو أن أحدهم وسوس في أذنه بموضوعها فأصدر قراره المذكور.
طيب، ماذا في حكاية »ماكبث» أغاظ هذا الحاكم التافه؟.. أجاب بعض من يعرفون أردوجان بأنه اعتبر هذه الحكاية التي تدور حول الخيانة وكيف تكون عاقبة الطمع والسعار علي السلطة، فيها إسقاط علي حالته هو شخصيا (في إشارة إلي ما فعله مع رفيقه عبد الله جول)!!
أما ملخص مأساة »ماكبث» كما رواها شكسبير، أنه كان أشجع وأقرب قادة ملك أسكتلندا »دانكان» إلي قلبه، وفي ذات يوم وبينما هذا القائد وزميله »بانكو» عائدين من معركة خاضاها بقواتهما وانتصرا فيها انتصارا ساحقا، اعترض طريقهما ثلاث ساحرات شريرات ظهرن لهما في صورة أشباح، ثم ما لبثن أن أبلغن القائدين ببضع نبوءات أخطرها نبوءتان تخصان ماكبث، الأولي أنه سيصير »نائب الملك»، والثانية تبشيره بأن كرسي العرش نفسه في انتظاره، لكن الساحرات التفتن إلي صديقه »بانكو» وهتفن في وجهه قائلات: »أما أنت يا بانكو فلن تكون ملكا أبدا، غير أن أولادك وباقي نسلك هم الذين سيتوارثون عرش البلاد».
اختفت الساحرات بعدما ألقين بهذه النبوءات التي أثارت دهشة القائدين الصديقين، وأبدي ماكبث عدم اكتراثه بما سمعه من نبوءات، فكيف يكون نائبا للملك وبأي طريقة يرتقي كرسي العرش والملك عنده ولدان؟.. هكذا سأل نفسه، وكان علي وشك أن ينسي تلك الحادثة الغريبة، لولا أن النبوءة الأولي تحققت فورا، إذ فوجئ برسول من الملك يأتيه ويبشره بأن »دانكان» أنعم عليه بلقب »نائب الملك» تعبيرا عن امتنانه وإعجابه بانتصاراته وإخلاصه في الدفاع عن المملكة.
عاد »ماكبث» إلي بيته وأبلغ زوجته بما حدث وحكي لها النبوءتين اللتين بشرته بهما الساحرات وتحققت إحداهما فعلا، غير أنه قال لها ما معناه أن تحقيق النبوءة الثانية أمر مستحيل.. هنا لعب الشيطان برأس الزوجة وراحت تحرضه علي قتل مليكه »لأن ذلك إرادة الرب» وهو الطريق الوحيد لكي يرتقي عرش أسكوتلندا التي لطالما جاهد وحارب من أجلها.
ظل ماكبث يقاوم تحريض زوجته بقدر قليل من القوة، وبينما هو علي هذه الحال فوجئ بالملك »دانكان» يزوره في قلعته لكي يحيه علي انتصاراته، وقرر أن يبيت ليلته ضيفا علي قائده العزيز، وقد وجدت الزوجة أن وجود الملك في بيتها فرصة عظيمة للخلاص منه وفتح الطريق أمام زوجها لكي يصعد ويجلس علي العرش.. حاولت إقناع ماكبث بأن يرتكب الجريمة التي خططت لها بسرعة، لكنها خشيت من تردده فأقدمت هي علي تنفيذها، بيد أنها عندما دخلت مخدع الملك رأت في ملامح وجهه البرئ وهو نائم شيئا ذكرها بأبيها فتراجعت، وذهبت إلي ماكبث ورفعت من وتيرة وحرارة تحريضها له حتي استجاب أخيرا، وانطلق إلي حجرة »دانكان» حيث قتله بطعنة واحدة قوية في صدره.. فلما طلعت شمس الصباح وتم اكتشاف الجريمة، راحت زوجة ماكبث تمعن في إظهار حزن وغضب عظيمين، وأخذت تردد أن في الأمر مؤامرة كبري وأن من قتل الملك المفدي هما اثنان من خدمي كانا يرافقانه وقد جندهما الأعداء.
راجت هذه رواية وصدقها الناس، وقُبض علي الخادمين وأعدما، لكن حديث »المؤامرة الكبري» دفع أبناء الملك المغدور إلي الهرب، ومن ثم صار كرسي العرش شاغرا، ولم يعد هناك من يشغله إلا »نائب الملك» الذي هو »ماكبث» نفسه.
غير أن نعمة المُلك تحولت بسرعة البرق إلي نقمة راحت تنهش في عقل ووجدان ماكبث، إذ طاردته الكوابيس والهواجس والظنون السوداء، ولم يعد ينام من فرط انشغاله وقلقه ورعبه من أن تتحقق نبوءة الساحرات الشريرات بأن أولاد صديقه وزميله »بانكو» سوف يخطفون العرش منه.. وأمسكت الشكوك بتلابيب الرجل الخائن وحولت حياته إلي عذاب وجحيم لا يطاق، ثم انتهت مأساته الرهيبة بانتحار زوجته، وموته هو شخصيا مقتولا أيضا، ليس بيد واحد من أولاد صديقه، وإنما الذي قتله شخص من أركان دولته.
إذن، فقد صعد ماكبث بـ »الخيانة»وسقط ومات بـ »الخيانة» أيضا
نقلا عن الاخبار القاهرية