توقيت القاهرة المحلي 02:57:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أيام محمد محمود (1)

  مصر اليوم -

أيام محمد محمود 1

عمار علي حسن

كنت فى قلب هذا الحدث المهيب منذ أول لحظة، إذ ذهبت إلى ميدان التحرير مع الذاهبين احتجاجا على الصورة المفزعة التى رأيناها على شاشات التليفزيون لضباط وجنود من الأمن المركزى يركلون شابا بعنف وغل دفين، حتى وافته المنية، ثم سحبوه وألقوه فى وسط القمامة. امتلأ الميدان بالغاضبين، وقبيل المغرب هجمت قوات الشرطة العسكرية على المحتشدين من شارع محمد محمود بأعداد كثيفة، بعد أن أطلقت رصاصا صوتيا لإثارة الفزع، ثم قنابل غاز خانق، ورصاصا مطاطيا، وانهالت ضربا بالهراوات فى قسوة ظاهرة وبلا هوادة، فأخذ الناس فى الفرار صوب اتجاهات عدة. وكنت من بين الذين تقهقروا نحو كوبرى قصر النيل، الذى ما لبث أن امتلأ بالفارين، فتجمعوا عليه، وولد فى هذه اللحظة هتاف: «يسقط يسقط حكم العسكر» هادرا، بعد أن كان يقال همسا، أو يكتب على استحياء فوق بعض الجدران. لكن الشرطة العسكرية انسحبت فعاد الثوار إلى الميدان وبدا المشهد قريبا جدا، بل ومطابقا ليوم انطلاق الثورة فى 25 يناير 2011، فقال كثيرون: ثورة ثانية، وقلت لهم: بل الموجة الثانية من الثورة. وكنت أتحدث عن هذه المسألة بإفراط طيلة الشهور التى أعقبت انطلاق الثورة حتى يبقى الناس محتشدين حول الفعل الثورى، ويعلم من تسلموا السلطة أن الأمر لم ينته، كما ظنوا، وراحوا يتصرفون وكأن الغاضبين لم يملأوا الشوارع ويكنسوا أمامهم تجبّر وتغطرس أجهزة القمع. فى اليوم الثانى اتصلت بالدكتور عصام العريان، وقلت له: الناس عادت إلى الميدان، فى موجة ثانية من الثورة، فإن شاركتم فهذا جيد، لتثبتوا أنكم جزء من الحركة الوطنية الرامية إلى التغيير الجذرى، وإن لم تشاركوا فعلى الأقل كفوا عن مهاجمة الثوار ونعتهم بما ليس فيهم. لكنه قال لى: تقديراتنا مختلفة، ولن نشارك، لأنها مؤامرة لتأجيل الانتخابات البرلمانية. وبالطبع لم تكن كذلك، بل إن دموية الحدث وسخونته أجبرت المجلس العسكرى على أن يقدم تنازلا جديدا بتحديد موعد انتخابات الرئاسة، وهى خطوة استفاد منها الإخوان رغم عدم مشاركتهم فى هذا الاحتجاج، وفتحت الطريق أمامهم ليضعوا محمد مرسى على كرسى مبارك، ولو بنجاح فاتر. ولما اشتعل الموقف، وراح الشهداء يتساقطون خنقا بالغاز وخرقا بالخرطوش والرصاص الحى، طالبت فى مداخلات مع قنوات فضائية عديدة بمحاكمة المشير محمد حسين طنطاوى بتهمة قتل المصريين على غرار محاكمة مبارك، وناديت مع المحتشدين بهذا فى ميدان التحرير. ورحت أمارس ما اعتدت على فعله خلال الثمانية عشر يوما الأولى للثورة، وهو التجول بين الناس المحتشدين فى الميدان، ونعقد سويا حلقات للنقاش، حول ما يجب أن نفعله، سواء من زاوية استثمار هذا الحدث فى تحريك الموقف السياسى، أو فى صد العدوان المتوالى علينا من شارع محمد محمود. وفجأة وضع رجل فارع الطول فى الحلقة السابعة من عمره يده على كتفى وقال: أنت هنا مجرد رأس بين الرؤوس، فى حساب العسكر، الذين ربما يعدوننا بالطائرات الآن من الجو. والصحيح أن نملأ نحن الميدان، لتتفاوضوا أنتم فى سبيل وقف هذه المجزرة. كان الثوار قد أفسحوا أجسادهم فصنعوا ممرا آمنا وضيقا لعربات الإسعاف والدراجات البخارية التى كانت تنقل المصابين من قلب شارع محمد محمود، الإصابات الخفيفة إلى المستشفى الميدانى بمسجد عمر مكرم، والبالغة إلى قصر العينى، ومستشفى المنيرة. ونقلت الاقتراح الذى انتهينا إليه بقيام قوات الجيش بوضع جدار أسمنتى وأنساق من الأسلاك الشائكة للفصل بين الثوار وقوات الأمن إلى الدكتور عبدالجليل مصطفى المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، وطلبت منه أن ينقله إلى اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع. وبعد ساعة هاتفنى وقال لى إنه نقل وجهة نظر الميدان إلى العصار. لكن السلطة تلكأت وتباطأت، رعونة وخيبة أم عن عمد لا ندرى، ولم تقدم على هذه الخطوة إلا بعد أربعة أيام، فحالت بين المتقاتلين ومنعت إراقة المزيد من الدماء. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيام محمد محمود 1 أيام محمد محمود 1



GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 02:54 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل ونهاية اللعبة الخطرة

GMT 02:52 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مَن صاحب هوية القاهرة البصرية؟

GMT 02:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

كتاب لم يتم

GMT 02:44 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»

GMT 21:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 21:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فلسطين بين دماء الشهداء وأنصار السلام

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon