توقيت القاهرة المحلي 23:15:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثلاثية سعد القرش (1 - 2)

  مصر اليوم -

ثلاثية سعد القرش 1  2

مصر اليوم

  ينسج الروائى سعد القرش خيوط أعماله السردية على مهل، وبلا ضجيج، فتستوى على سوقها عفية لافتة، لكن تبقى أكثرها قوة من حيث المعمار الروائى والتخييل واللغة الشاعرية المقتصدة التى تؤدى الوظيفة بلا إسهاب ممل ولا إيجاز مخل، هى ثلاثيته المراوحة بين التاريخى والفانتازيا، التى وسمها تباعاً بـ«أول النهار» و«ليل أوزير» و«وشم وحيد»، وهى تغطى حكاية قرية مصرية متخيلة منذ القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر، تعلو على كونها مجرد قطعة من الريف المصرى الذى سجلته الجغرافيا ورصده التاريخ وصوره علم العمران، إلى كونها دويلة أو «وحدة اجتماعية». لكن القرش يتجاوز الرؤية التقليدية التى تطرح «عمدة القرية» معادلاً لـ«رئيس الدولة» و«الخفراء» كتعبير عن «جهاز الشرطة» وهكذا، ويجعل القارئ ينغمس فى ثنايا العمل متجرداً من هذه الحمولات المستهلكة وتلك المضاهاة المعهودة، ويعيش عالماً موزعاً بين سحر الخيال وصدمة الواقع، يملأه البطل المستمر «سيد أوزير» والمتحلقون حوله «الأهالى»، وبينهم وبينه مسافات متدرجة من الأحلام والأطماع والنزوات. فى «أول النهار» يرسم ملامح تلك القرية التى أعاد الجد «عمران» بناءها بعد أن جرفها الفيضان، ويعرض فى انسياب تاريخ بعض المنسيين والمنفيين فى الشوارع الخلفية، وهم يقاومون بطش الحاكم وتوحش الطبيعة، متوسلين بالثقافة الشعبية تارة، وبالفهم الإيجابى للدين الذى يحوله إلى طاقة إيجابية ترفض الخنوع وتمنح الأمل طوراً. وفى «ليل أوزير» ينحرف حكم هذه الوحدة الاجتماعية من العدل إلى الظلم، ومن القسط إلى الجور، وهو ما تبينه عبارة جاءت على لسان منصور الذى اغتصب السلطة وهمش دور حفيد عمران، وكان ينصح ابنه خليفة قبيل وفاته قائلا له: «لو مت رد للناس حقوقهم قبل إعلان وفاتى، حتى لا يفترسوك، اعتذر عنى، اطلب السماح، فيحسوا أنهم فى عهد جديد، فيحبوك ويجتمعوا حولك، وينسوا بدايتك الشؤم». فبيت عمران الذى كان ملاذا للعبيد والفلاحين الهاربين من بطش أسيادهم، أخذ فى التداعى، بقوة الانحراف عن طريق المؤسس، وسواد النبوءة التى توقعت أن تقع أسرته فى حبائل كارثة كل نصف قرن، فجاء الفيضان ثم الطاعون فالحريق وبعده تفرُّق الشمل والتيه. أما فى «وشم وحيد» فنحن أمام بطل مجروح بعبء الماضى وفداحة الحاضر معاً، حيث قُتل أبوه فى حفر قناة السويس مع مائة ألف مصرى استشهدوا ليفتحوا باباً للتجارة وأساطيل الاستعمار ثم يتركوا ريعاً لأحفادهم. لكن الابن لم يعرف من قتل أباه، ولا أين طمروا جثته بين كثبان التراب والرمل، فقرر أن يقتل الخديو نفسه، ثم يعود بالجثة، بعد أن يجدها إلى أرض الأجداد «أوزير»، لكنه يفشل ويضيع فى دروب الحياة القاسية. وقراءة هذا العمل الملحمى يمكن أن تذهب بنا نحو الغرق فى التفاصيل الدقيقة والاستشهادات المتوالية، سواء التى تستعرض الحكاية المركزية أو الحكايات الفرعية وأقدار الأبطال وتحولاتهم واللوحات الخلفية واللغة المستعملة فى شاعريتها وتقريريتها، لكننى هنا سأنظر إليه كبنية متكاملة مركزاً على السمات الشكلية والمضمونية الأساسية له، لا سيما أنه يختلف، مساحة وعمقاً، عن الأعمال السابقة للقرش، وهى روايتا «حديث الجنود» و«باب السفينة»، ومجموعتاه القصصيتان «مرافئ للرحيل» و«شجرة الخلد». وفى مقال الغد إن شاء الله تعالى سأذكر هذه السمات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثية سعد القرش 1  2 ثلاثية سعد القرش 1  2



GMT 22:00 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

«بخ» !!

GMT 21:59 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

الطريق إلى الجحيم!

GMT 21:57 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

مأساة السودان

GMT 21:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 21:04 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

7 ساعات إلى إسرائيل!

GMT 20:56 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

«اللامعقول» يكسب

GMT 20:50 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حزب الكراهية

GMT 20:45 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ماذا لو لم ترد إيران؟

نوال الزغبي تستعرض أناقتها بإطلالات ساحرة

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 11:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع
  مصر اليوم - ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع

GMT 22:27 2019 الخميس ,04 تموز / يوليو

وزيرة الصحة المصرية تعلن فحص 89 ألفا و287 امرأة

GMT 02:59 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

الفساتين الحمراء موضة صيف 2019 لإطلالة لا تُنسى

GMT 19:54 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

كوت ديفوار يزاحم المغرب في صدارة مجموعته

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 10:50 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل حادث محطة مصر

GMT 10:17 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

4 أعراض تحذيرية للإصابة بأزمة ارتفاع ضغط الدم

GMT 19:40 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

فوز صعب يقود دورتموند للابتعاد بصدارة الدوري الألماني

GMT 02:42 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة سهلة لتحضير مرق الدجاج والبازيلا بالكاري

GMT 19:57 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

جون انطوي يقود هجوم "المقاصة" أمام "بيراميدز"

GMT 15:16 2018 الجمعة ,19 تشرين الأول / أكتوبر

"السيسي" يرتدي ملابس عسكرية أثناء تفقد القواعد الجوية

GMT 21:20 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

مراهق بريطانى يقطع رأس زوجة أبيه بالسيف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon