توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شهداء يحكون ما سيأتى (1-2)

  مصر اليوم -

شهداء يحكون ما سيأتى 12

عمار علي حسن

ما إن خرجت روحا أحمد حسن هاشم فتى مصر الجديدة، وحنا تادروس صومائيل فتى مصر القديمة، بين يدى المهندس إبراهيم الشربينى، الذى عاد من الخارج على عجل للمشاركة فى الثورة، حتى دارتا الميدان من أقصاه إلى أدناه تسبحان فوق رؤوس الغاضبين. رأتا ما لا يراه كل هؤلاء المحتشدين هنا، أو أولئك الذين ينتظرون الخلاص خلف الجدران المصمتة. كانتا تبتسمان وترفرفان بلا أجنحة، وتلثمان الوجوه التى احمرت من الحماس رغم برد الشتاء. ترتفعان فى الهواء فتريان الميدان كله بقعة ملونة جميلة، ثم تهبطان معاً، لتحوما حول كل من اقترب انضمامه إليهما. كان شارع محمد محمود مكتظاً بالمتظاهرين، والليل رمى سدوله على الجدران والأرض والحارات الجانبية والشجر الذى يتناثر داخل سور الجامعة الأمريكية. ومن عمق الظلام كانت تومض طلقات تعرف إلى أين تذهب. ولا تمر دقائق إلا ويأتى الشباب حاملين أحدهم مطروحاً فوق الأكتاف، ويقطر دماً من رأسه أو صدره، ولا تمر دقائق أخرى إلا وتصعد روحه إلى أخواتها، أو يشق له ممر إلى عربة إسعاف تأخذه إلى المستشفى، وهناك يخمد الجسد، فتنفتح أبواب قفص اللحم والعظم، ليخرج منه المارد المحبوس، الذى لا يعرف أحد عنه شيئاً. ويرتل المقرئون فى المآتم التى تنعقد تباعاً: «ويسألونك عن الروح. قل الروح من أمر ربى. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» تتزامل أرواح الشهداء فى عالم الغيب. تصاحب كل منها تلك التى كانت تصادقها فى الدنيا. ولهذا ظلت روحا أحمد وحنا تطيران معاً. تذهبان إلى المكان الذى سقط فيه الجسدان اللذان كانا يحبسانهما سنوات، ثم تحطان على رأس الشربينى، وهو واقف على طرف الميدان، يعد «علب الطعام» التى اشترتها «لجنة الإعاشة» من تبرعات جمعها الثوار. دخلتا ذات ليلة إلى مكتب السياحة. كان النقاش بين الإخوانى الشيخ رأفت وأحد شباب الثورة يدعى حسن قد احتد. وقال له حسن، قبل أن ينصرف غاضباً: ـ نحن الذين سنموت هنا. أما أنتم فستذهبون لعقد الصفقات التى تبقيكم على قيد الحياة. تمصون دماء هذا الشعب، وتسخرون منه، وتستعملونه مجرد أدوات لتحقيق أغراضكم التى لا تخص أحداً سواكم، لكنكم تتوهمون أن فيها سعادة الجميع. كان رأفت يبتسم ساخراً، ثم انفجر فجأة فى حسن: ـ نحن من يقدم التضحيات دوماً. فهز حسن رأسه وقال: ـ تضحيات من أجل مَن؟ ـ طبعاً من أجل هذا البلد. ـ بل من أجل جماعتكم. مشروعكم الذى يعشش فى رؤوسكم كالوباء، والذى فصّلتموه على مقاس أطماعكم حتى كاد يصير ديناً جديداً. ـ هذا كلام مرسل، لا دليل عليه. ـ أكبر دليل هو أنكم لم تقدموا سوى عدد قليل من الشهداء، ستة أو سبعة على الأكثر، وهذا لا يتناسب مع حجم مزاعمكم بأنكم الضلع الأساسى فى هذه الثورة، ولا مع حجم مطالبكم التى تتراكم ولا يبدو لها حد، وهى ليست للناس، إنما لجماعتكم، بقرتكم المقدسة. كانت الروحان ترفرفان بينهما، وهما تعلمان كل شىء. تحدبان على كتف الشاب المخلص الذى لا يقول إلا ما يؤمن به، وتعرفان أن روحه ستنضم بعد زمن ليس ببعيد إليهما. وتنظران بغيظ إلى الشيخ، الذى ستبقى روحه ساكنة فى جسد يسعى دوماً إلى مزيد من القوة واللذة، وستذهب معه إلى القصر الكبير. (نكمل غداً إن شاء الله تعالى) نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهداء يحكون ما سيأتى 12 شهداء يحكون ما سيأتى 12



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon