توقيت القاهرة المحلي 04:09:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الملك «زوسر» فى ميدان التحرير (2-2)

  مصر اليوم -

الملك «زوسر» فى ميدان التحرير 22

عمار علي حسن

بينما كان الملك الفرعونى زوسر يتجول فى ميدان التحرير سمع شابا يقرأ من كتاب وينسب إلى الحكيم إيبور قوله عن أول ثورة جياع فى مصر: «من كان يرتق نعليه فيما مضى صار صاحب ثروة.. ومن لم يكن فى مقدوره أن يصنع لنفسه تابوتا أصبح يملك قصرا.. ومن لم يكن باستطاعته أن يشيد حجرة بات يملك فناء مسورا.. ومن لم يكن يملك ثورا صار يملك قطعانا.. ومن لم يكن يملك حفنة قمح أصبح يملك أجرانا.. . وأصبحت ربات الخدور يرتدين الخرق البالية، والعقيلات الشريفات يرقدن على الفراش الخشن.. والسيدات النبيلات اللاتى كن متاعا حسنا صرن يقدمن أجسادهن فى الفراش.. وأولاد رجال البلاط أصبحوا فى خرق بالية، وأولاد الحكام يلقون فى الشوارع». ويمسح الشاب الميدان بعينيه ليطمئن إلى امتلائه ثم يقول لهم: - فى غمرة هذه الفوضى سقط الحكم بعد أن انهارت الدواوين والمحاكم ونهبت سجلاتها، وذبح كبار الموظفين وصار من بقى منهم على قيد الحياة بلا كلمة مسموعة، وعاشت مصر بلا حكام لمدة تصل إلى ست سنوات، فانتشرت عصابات السرقة والقتل، وأفلست الخزانة العامة، ولم ينج قصر الملك نفسه من النهب، ليجد بيبى الثانى نفسه أمام هذه الحقيقة المرة، بعد أن عاش سنوات طويلة مثقلا بالأكاذيب، عازلا نفسه عن شعبه، ومسلما إياها إلى حاشية لا تجيد إلا فن النفاق والكذب والتضليل. وحين ينتهى يمصمصون شفاههم، ويقولون له: - ما أقرب الليلة إلى البارحة. فيبتسم، ويضع الكتاب فى حقيبته الجلدية الصغيرة. ودون أن يدرى حامد، مد زوسر يده فى الحقيبة وأخرج كتابا آخر، كان يجب على حامد أن يقرأ بعض ما فيه لمن حوله. ليعرفوا أن ما هم فيه الآن من تواد وتعاون ممدود فى عروقهم إلى زمن قديم. فقبل خمسة آلاف سنة كان هناك شباب مثلهم مع قائدهم أونى، يحررون بلدهم بعد أن احتله الساميون. جاءوا من الجنوب لاهثين دون أن يفقدوا ثباتهم، وكنسوا العدو أمامهم وطاردوه إلى بعيد بعيد. ظلوا شهورا سويا فى الدروب والساحات والصحارى، من غير أن يسب أحد أخاه، أو يسرق عنزه ولا خبزه، أو يخطف نعله. وها هم يعودون من جديد بعد كل هذا الزمن ليقتطعوا هذه الساحة من الجسد المترهل، وينفخوا فيها من أرواحهم. دار حول الميدان ومكث فى قلبه وقتا طويلا، ثم غادره مبتسما. انعطف يسارا، ومشى فى الممر المؤدى إلى المتحف، حتى وصل إليه. وكما خرج، دخل من دون أن يشعر به أحد، وجد باب الصندوق الزجاحى مواربا، فتحه وعاد إلى مكانه، وأغلقه خلفه. بعد شهور سمع صراخا زاعقا، وهتافات لم يسمعها من قبل. فخرج متسللا من صندوقه، ودخل الميدان على عجل، ليجد من فيه قد تغيروا. رايات سوداء ووجوه عابسة ولافتات عليها حروف مختلفة. ورأى رجالا يلبسون جلابيب بيضاء تتساقط عند ياقاتها التى تطوق الأعناق المشرئبة لحى فاحمة السواد، ما إن يدخلون الميدان حتى يجرى إليهم ناس كثيرون، ويحملونهم على الأعناق. أحدهم تهافتوا على سيارته وكادوا يرفعونها عن الأرض، ثم رفعوا أكفهم إلى السماء، وراحوا يقولون كلاما بسرعة، ويطاردون قلة من الشباب الذين رآهم فى المرة الأولى. جال فى كل جنبات المكان، فأصابه غم، وتذكر المنسيين فى هذا الصراع المقيت، وضاهاهم بالذين جاعوا فى عهده، نظرا لنقص فيضان النيل. وتذكر الرسالة التى بعث بها إلى خنوم معبود الشلال: «قلبى كان فى ضيق مؤلم، لأن النيل لم يفض لسبع سنوات. الحبوب لم تكن وفيرة، البذور جفت، كل شىء كان يملكه الفرد ليأكله كان بكميات مثيرة للشفقة، كل شخص حرم حصاده. لا يمكن لأى شخص أن يمشى أكثر؛ قلوب كبار السنّ كانت حزينة وسيقانهم انحنت متى جلسوا على الأرض، وأيديهم أخفت بعيدا. حتى خدم المعابد كانوا يذهبون، المعابد أغلقت والملاجئ غطّيت بالغبار» ويتذكر حتى هذه اللحظة الرد الذى جاءه من ختوم: «أنا سأجعل النيل يرتفع لك. لن تكون هناك سنوات أكثر عندما يخفق الغمر فى تغطية أى منطقة من الأرض. الزهور ستورق، وتنحنى جذوعها تحت وزن غبار الطلع». وقف عند تمثال عمر مكرم وصعد إليه واحتضنه، وابتسم فى وجهه ونظر إلى الميدان نظرة طويلة شاملة، ثم انسحب صامتا حزينا. استدار عند الباب الوسيع للمتحف. أعطى ظهره للواقفين والراقدين خلف الجدار السميك الأصم، ورفع وجهه ليرى الساحة الوسيعة التى طاردته قبل قليل فخطف بصره شىء يرفرف فى نوافذ البيوت المطلة على اللحى المتزاحمة، دقق النظر، فإذا بأولاد وبنات صغار، يمدون أعناقهم فوق كل الرؤوس المشحونة بالضغائن، ويمدون أيديهم برايات نصر يؤمنون بأنه لا محالة آت. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك «زوسر» فى ميدان التحرير 22 الملك «زوسر» فى ميدان التحرير 22



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon