توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ينتظرون دموعه

  مصر اليوم -

ينتظرون دموعه

عمار علي حسن

لم يبك عليها وهى تغيب أمام عينيه تدريجياً حتى انطفأت شمعتها إلى الأبد. لم تنجب ولداً فاعتبرته ابنها، وأخذته من أمه التى هى ابنتها. الجدة العجوز تهدهد سكرات الموت وهو إلى جانبها لا يفعل شيئاً سوى التحليق فى سقف الغرفة الضيقة، وترويض العجز التام والفادح. ورآه الناس على حاله فتعجبوا وهم الذين توقعوا أن يأتى من سفره مولولاً كالنساء حين أخبروه أنها ترقد مريضة وتريد أن تراه. ومن خلف ظهره قال صاحبه للناس حتى يكفوا عن أسئلتهم التى لا معنى لها: - شدة الحزن تجف لها الدموع. وراح يقنعهم أكثر بوجهة نظره، من خلال شرح القاعدة التى تقول: «ما زاد عن الحد انقلب إلى الضد»، ثم قال لهم: - لو رأيتموه يضحك فجأة فلا تلوموه، ولا تتعجبوا. لكنهم تعجبوا على حزن لم يكابدوه من قبل. أحدهم شكك فى هذا التبرير، وقال بغلظة: - طول الغربة أنساه أعز أهله. لم يكن هو يدرى شيئاً عن هذا الغمز واللمز وهو ساهر طوال الليل إلى جانبها وهى تحتضر، قلبه موجوع، ولسانه صامت، وتقتحم أذنيه ثرثرة النسوة اللاتى جئن لتوديعها. تكلمن طويلاً عن حالتها التى كانت على ما يرام قبل يومين، وكيف رآها أهل القرية جميعاً وهى تستقل عربة ربع نقل مع الذاهبين إلى مدينة المنيا لدفع فلوس السلع التموينية! وكيف وقفت بالأمس فقط ساعات طويلة فى الدكان تبيع للناس من دون أن تظهر عليها علامات المرض! غسلتها صديقة أيامها وكفّنتها، ووضعوها على الخشبة، لينطلقوا بها إلى مدافن العائلة شرق النيل. كل ما فعله هو أن رفع الغطاء عن وجهها الساكن وطبع قبلة على جبينها، وقال لها فى تأثر: - مع السلامة يا أنبل وأغلى الناس. وشفع له ما فعله عند البعض، لكن هناك من رآها لمحة باهتة لا تكفى لوداع من تربى فى حجرها، ولا ترقى لتوقعاتهم التى أطلقوها وهم يخبرونه بمرضها فى حذر. قالوا له: مريضة وحالتها مطمئنة، وتريد فقط أن تراه لأنها اشتاقت إليه. خافوا أن يطلعوه على الحقيقة فينهار. هكذا اتفقوا قبل أن يرن هاتف مكتبه، ويأتى إليه صوت أحدهم ليسأل السكرتيرة: - الأستاذ موجود؟ عادوا من المقبرة فوجدوه جالساً على طرف سرادق العزاء ينتظر المواسين، فلما وصلوا إليه دفعوا أيديهم إلى يده، وجلسوا صامتين. قبيل المغرب ظهرت فى انحناء الشارع عربة كارو محملة بالسلع التموينية، وجاءه مختلطاً بصهيل حصانه المجهد صوت العربجى يسأل أحد الصبية عن مكان الدكان. عندها هب من مكانه، وجرى إلى العربة كما كان يفعل وهو طفل. يجرى إليها حين تهل على أول الجسر المؤدى إلى القرية، فيرفعه أى من الرجال إلى جانب جدته، وهى تجلس فوق بضائعها والسعادة تنطق فى وجهها. تمد يدها إلى كيس بلاستيك راقد بجوارها وتعطيه الحلوى التى أحضرتها له. جرى اليوم لكنها لم تكن متربعة فوق عرشها الذى طالما انتفع منه الناس. جرى حتى وصل إلى الحصان فمسح على رأسه، ثم مد يده إلى طرف العربة الأيمن، وراح ينتحب ويجهش بصوت زاعق سمعه كل أهالى القرية. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ينتظرون دموعه ينتظرون دموعه



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon